الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط
.بَابُ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فِي الْحَيَوَانِ: وَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ وَيَتَعَيَّنُ فِيهِ وَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّ لِامْرَأَةٍ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ صَدَاقًا وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ تَعَيَّنَ فِيهِ الْوَسَطُ فَكَذَلِكَ هُنَا. وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ فَلَعَلَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ زَوَّجَهُ ثَلَاثَةً عَلَى عَبْدِهِ، ثُمَّ مَاتَتْ فَصَارَ ذَلِكَ مِيرَاثًا لِلْأَبِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُقِرَّ امْرَأَةٌ فَلَعَلَّهَا ضَمِنَتْ الصَّدَاقَ عَنْ الزَّوْجِ، ثُمَّ مَاتَتْ الْمَنْكُوحَةُ فَصَارَ ذَلِكَ مِيرَاثًا لِأَبِيهَا عَلَى الضَّامِنَةِ مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُطْلَقَ كَمَا يَثْبُتُ صَدَاقًا يَثْبُتُ فِي الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَسَطُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ الْوَاجِبُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ فَأَيُّهُمَا أَتَى بِهِ جُبِرَ الطَّالِبُ عَلَى قَبُولِهِ فَبِالْإِقْرَارِ تَثْبُتُ هَذِهِ الصِّفَةُ أَيْضًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحَقِيقَةِ تَنْبَنِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مُطْلَقُ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ يَنْصَرِفُ إلَى الْتِزَامٍ بِسَبَبِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ هَذِهِ الْجِهَةُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِقْرَارِ لِلْجَنِينِ. وَإِذَا قَالَ لَهُ عَبْدٌ فُرِضَ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَبْدٍ وَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَظَاهِرٌ. وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْقَرْضِ. وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مَعَ تَعْيِينِ الْعُقُودِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَتَتَعَيَّنُ الصِّفَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ، فَإِذَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ بَقِيَ إقْرَارُهُ بِقَبْضِ عَبْدِهِ بِطَرِيقِ الْقَرْضِ وَاسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَالْمَقْبُوضُ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ كَانَ الْقَوْلُ فِي تَعْيِينِهِ قَوْلَهُ وَلَوْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ قِيمَتِهِ قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ هُنَا. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَابَّةٌ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ أَيِّ الدَّوَابِّ لِأَنَّ اسْمَ الدَّابَّةِ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً وَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِمَا أَقَرَّ بِهِ وَضْعًا بَلْ الْبَيَانُ فِي ذَلِكَ إلَى الْمُقِرِّ، فَإِذَا جَاءَ بِدَابَّةٍ بِعَيْنِهَا، وَقَالَ هِيَ هَذِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ جَاءَ بِفَرَسٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ وَلَا أَقْبَلُ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّابَّةِ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ الدَّابَّةَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا هَذِهِ الْأَجْنَاسَ الثَّلَاثَةَ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْبَيَانُ مِنْ الْمُقِرِّ إذَا كَانَ مُطْلِقًا لِلَفْظِهِ. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ دَارًا أَوْ أَرْضًا أَوْ نَخْلًا أَوْ بُسْتَانًا فَحَقِيقَةُ هَذَا الْكَلَامِ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَكُونُ دَيْنًا بِحَالٍ، وَلَكِنْ إذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْكَلَامِ وَلَهُ مَجَازٌ مُحْتَمِلٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ رَدُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِغَصْبِ دَارٍ أَوْ بُسْتَانٍ فَيُؤْخَذُ بِأَدْنَى مَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَدْنَى هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ ثَوْبًا هَرَوِيًّا فَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ قَبْلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ إقْرَارُهُ إلَى الْوَسَطِ عَلَى قِيَاسِ الْعَبْدِ وَصَحَّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ فَيَقُولُ هُنَاكَ الْعَبْدُ الْمُطْلَقُ لَا يَثْبُتُ إلَّا دَيْنًا إلَّا فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَسَطُ وَهُنَا الثَّوْبُ الْهَرَوِيُّ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي مُبَادَلَةِ مَالٍ كَالسَّلَمِ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَسَطُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْوَصْفِ فِيهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ لِإِقْرَارِهِ هُنَا بِبَعْضِ الْأَسْبَابِ فَلِهَذَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي بَيَانِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ إذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ شَيْئًا آخَرَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَى ثَوْبٍ، وَلَمْ يُسَمِّ جِنْسَهُ فَأَيُّ ثَوْبٍ جَاءَ بِهِ قُبِلَ مِنْهُ اللَّبِيسُ وَالْجَدِيدُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا يُتْرَكُ حَتَّى يُسَمِّيَ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ بِمُطْلَقِ اسْمِ الثَّوْبِ لَا يَثْبُتُ الثَّوْبُ دَيْنًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ فَيَصِيرُ كَلَامُهُ عِبَارَةً عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ وَمَعَ بَيَانِ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْأَجَلِ يَثْبُتُ دَيْنًا فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ فِي بَيَانِهِ قَوْلَ الْمُقِرِّ. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا هِبَةَ لَهُ قِبَلَ فُلَانٍ، ثُمَّ ادَّعَى صَدَقَةً أَوْ شِرَاءً فَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى غَيْرَ مَا نَفَاهُ. وَلَوْ قَالَ لَا بَيْعَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ، ثُمَّ ادَّعَى عَبْدًا جَعَلَهُ لَهُ مِنْ صُلْحٍ أَوْ قَالَ لَا صُلْحَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ، ثُمَّ ادَّعَى عَبْدًا شِرَاءً كَانَ عَلَى دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى غَيْر مَا نَفَاهُ. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ شَيْءٌ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ فَفِيمَا اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ مِنْ الْقَبْضِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْعَبْدِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَوْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ. وَإِذَا أَقَرَّ بِالرَّهْنِ فِي السَّلَمِ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَوَّلِ حَتَّى يُعَايِنَ الشُّهُودُ التَّسْلِيمَ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ إقْرَارِهِ بِالْبَيِّنَةِ كَثُبُوتِهِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَإِنْ تَصَادَقَا فِي رَهْنٍ بِغَيْرِ قَبْضٍ أَوْ عَلَى رَهْنٍ مَشَاعٍ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالشُّيُوعُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْيَدِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ عِنْدَنَا فَإِنَّمَا تَصَادَقَا عَلَى سَبَبٍ غَيْرِ مُلْزِمٍ وَلَوْ عَايَنَا مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ رَهَنَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ فُلَانٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَنَّهُ قَدْ قَبَضَهُ مِنْهُ، وَقَالَ فُلَانٌ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ، وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَدَّعِي زِيَادَةً فِي دَيْنِهِ وَالزِّيَادَةُ لَا تَثْبُتُ بِدَعْوَاهُ وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الرَّهْنِ فَاخْتِلَافُهُمَا فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ لَا يَتَضَمَّنُ التَّكْذِيبَ فِي أَصْلِ الرَّهْنِ فَلِهَذَا كَانَ رَهْنًا بِمَا اتَّفَقَا مِنْ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .بَابُ الْإِقْرَارِ بِكَذَا وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَذَا: وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهَا أَوْ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَالْإِقْرَارُ لِلْأَوَّلِ جَائِزٌ وَالثَّانِي مُخَاطَرَةٌ لَا يَلْزَمُهُ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّ الْقَبْضَ بِحُكْمِ الِاسْتِقْرَاضِ فِعْلٌ وَآخِرُ كَلَامِهِ قَوْلٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ وَإِلَّا بِمَعْنَى التَّرْدِيدِ كَحَرْفٍ أَوْ فَبَقِيَ مُقِرًّا بِالْمَالِ لِلْأَوَّلِ وَمُعَلِّقًا إقْرَارَهُ لِلثَّانِي بِشَرْطِ عَدَمِ الِاسْتِقْرَاضِ وَالْقَبْضُ مِنْ الْأَوَّلِ وَتَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ لَا يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: ابْتَعْتُ مِنْ فُلَانٍ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَإِلَّا فَلِفُلَانٍ عَلَيَّ خَمْسُمِائَةٍ إلَّا أَنَّ هُنَا إنْ أَقَرَّ رَبُّ الْعَبْدِ بِبَيْعِ الْعَبْدِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَادًّا لِإِقْرَارِهِ حِينَ أَنْكَرَ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْهُ وَإِقْرَارُهُ بِالْخَمْسِمِائَةِ كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ. وَلَوْ قَالَ قَدْ أَعْتَقْتُ عَبْدِي هَذَا وَإِلَّا فَغُلَامِي هَذَا حُرٌّ عَتَقَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَكَّدَ عِتْقَ الْأَوَّلِ بِالْيَمِينِ بِعِتْقِ الثَّانِي إذْ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ لِمَحَلِّ قَوْلِهِ أَوْ وَلَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ وَإِلَّا فَهَذَا أَوْ أَعْتَقْتُ هَذَا وَإِلَّا فَقَدْ أَعْتَقْتُ هَذَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَجَانَسَ الْكَلَامَانِ فَقَوْلُهُ وَإِلَّا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَوْ كَمَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَإِلَّا فَلِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا كُلِّهِ فَالْأَوَّلُ إيجَابٌ صَحِيحٌ وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .بَابُ إقْرَارِ الرَّجُلِ فِي نَصِيبِهِ: وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بِبَعْضِ نَصِيبِهِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ عُشْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِنِصْفِ الدَّارِ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إقْرَارُهُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِأَنْ يُحْمَلَ إقْرَارُهُ عَلَى نَصِيبِهِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ رُبْعُ جَمِيعِ هَذِهِ الدَّارِ وَلِي رُبْعٌ وَنِصْفٌ وَلِصَاحِبِي رُبْعٌ وَنِصْفُهُ وَجَحَدَ شَرِيكُهُ ذَلِكَ فَإِنَّ نِصْفَ الدَّارِ حِصَّةُ الْمُقَرِّ بَيْنَ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ لِلْمُقِرِّ سَهْمَانِ وَلِلْمُقَرِّ لَهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُعَامِلُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ نَفْسَهُ كَأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ زَعَمَ الْمُقِرُّ هُنَا أَنْ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي سَهْمَيْنِ مِنْ ثُلُثِهِ وَحَقِّي فِي ثُلُثِهِ وَحَقُّ شَرِيكِي فِي ثُلُثِهِ إلَّا أَنَّ شَرِيكَهُ ظَلَمَهُمَا حِينَ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الظُّلْمُ عَلَى أَحَدِهِمَا خَاصَّةً بَلْ يُجْعَلُ ذَلِكَ كَالتَّاوِي وَيَبْقَى مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُقَرُّ لَهُ بِسَهْمَيْنِ وَالْمُقِرُّ بِثُلُثِهِ فَيَكُونُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ. وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفًا وَأَنَّهُ قَدْ قَضَاهَا إيَّاهُ فَوَصَلَ الْإِقْرَارُ بِهَذَا، ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ قَضَاهَا إيَّاهُ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مُحَالٌ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَمَا قَضَاهُ قَبْلَ هَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَكَانَ مُنَاقِضًا فِي دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْكَلَامُ الْمُحَالُ وَالتَّنَاقُضُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَكِنْ اُسْتُحْسِنَ لِلْعُرْفِ فَإِنَّ النَّاسَ يَذْكُرُونَ هَذَا اللَّفْظَ وَيُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. (أَلَا تَرَى) أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ هَذَا الثَّوْبُ لِلْأَمِيرِ كَسَانِيهِ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ لِلْأَمِيرِ حَمَلَنِي عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَا أَنَّهُ فِي الْحَالِ لَهُ كَذَلِكَ هُنَا. وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَا سَكَتَ قَضَيْتُهَا إيَّاهُ قَبْلَ أَنْ أُقِرَّ بِهَا وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَضَيْتُهَا إيَّاهُ بَيَانٌ مُغَايِرٌ لِظَاهِرِ كَلَامِهِ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ الْإِخْبَارُ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ كَانَ وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ إنَّمَا يُسْمَعُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا، فَإِذَا سَكَتَ تَقَرَّرَ الْمَالُ عَلَيْهِ وَاجِبًا فِي الْحَالِ فَهُوَ فِي قَوْلِهِ قَضَيْتُهَا إيَّاهُ قَبْلَ أَنْ أُقِرَّ بِهَا مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ. وَلَوْ قَالَ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ قَدْ قَضَيْتُهَا إيَّاهُ قَبْلَ أَنْ أُقِرَّ بِهِ وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَانَ كَذَا لَا يَكُونُ تَصْرِيحًا مِنْهُ بِقِيَامِهِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ قَائِمًا بِاعْتِبَارِ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ مَا عُرِفَ ثُبُوتُهُ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ هُنَا حِينَ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِنَّ كَلَامَهُ الْأَوَّلَ هُنَا تَصْرِيحٌ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَهُوَ بِقَوْلِهِ كُنْتُ قَضَيْتُهَا مِنْ قَبْلُ يَكُونُ مُنَاقِضًا فِيمَا صَرَّحَ بِهِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ فَوَصَلَهُ بِإِقْرَارِهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا سَكَتَ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ أَوْ وَهَبَهُ لِي أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيَّ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ اسْتِحْسَانًا فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِهِ عَبْدٌ لِفُلَانٍ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَقَدْتُهُ الثَّمَنَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَرَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ الْآخَرِ بِخَمْسِمِائَةٍ دِرْهَمٍ وَنَقَدْتُهُ الثَّمَنَ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّمَنُ لِلْآخَرِ وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى التَّعْيِينِ فَقَطْ دُونَ نَقْدِ الثَّمَنِ، فَأَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِذَا أَقَامَ عَلَى التَّعْيِينِ فَقَطْ فَالْمَبِيعُ مَقْبُوضٌ لَهُ وَثَمَنُ الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ يَكُونُ مُتَأَكِّدًا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَفِي الذِّمَّةِ سَعَةٌ بِالْحُقُوقِ فَلِهَذَا لَزِمَهُ الثَّمَنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَالْعَبْدُ لِلْأَوَّلِ إذَا جَحَدَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ إقْرَارٌ بِمِلْكِ أَصْلِ الْعَبْدِ لَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ شِرَاؤُهُ مِنْهُ حِينَ جَحَدَهُ فَعَلَيْهِ رَدُّ الْعَبْدِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَقَرَّ لِلثَّانِي أَنَّهُ قَبَضَ الْعَبْدَ مِنْهُ بِجِهَةِ الْبَيْعِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ فَلَهُ الثَّمَنُ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ عَلَيْهِ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ نَقْدِ الثَّمَنِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ جَحَدَ الْبَيْعَ ضَمِنَ لَهُ الْمُقِرُّ قِيمَةَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى جِهَةِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْقَابِضِ كَالْمَقْبُوضِ بِحَقِيقَةِ الشِّرَاءِ إذَا لَمْ يَجِبْ بِهِ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى. وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الدَّارِ وَالْأَرْضِ وَالْعُرُوضِ. وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ فِي يَدَيْهِ بَيِّنَةَ وَبَيْنَ فُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ الْآخَرِ، ثُمَّ تَخَاصَمُوا إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَقْضِي لِلْأَوَّلِ بِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَّكَهُ بِنَفْسِهِ فِي الْعَبْدِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ كَانَ مَالِكًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ ظَاهِرًا فَيَكُونُ كَلَامُهُ إقْرَارًا بِالنِّصْفِ، ثُمَّ سَاوَى الثَّانِيَ بِنَفْسِهِ فِي الْعَبْدِ، وَعِنْدَ إقْرَارِهِ لِلثَّانِي مَا كَانَ يَمْلِكُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ إلَّا نِصْفَهُ فَصَارَ مُقَرًّا لَهُ بِنِصْفِ ذَلِكَ النِّصْفِ وَسَاوَى الثَّالِثَ بِنَفْسِهِ فِي الْعَبْدِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَا كَانَ يَمْلِكُ مِنْ الْعَبْدِ إلَّا رُبْعَهُ فَصَارَ مُقَرًّا لَهُ بِنِصْفِ ذَلِكَ الرُّبْعِ، وَهُوَ الثُّمْنُ وَيَبْقَى فِي يَدِ الْمُقِرِّ الثُّمْنُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ عَلَى مَيِّتٍ هُوَ وَارِثُهُ فَإِقْرَارُهُ فِيمَا يَخْلُفُ الْمَيِّتَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ ابْتِدَاءً. وَلَوْ أَقَرَّ بِالْعَبْدِ كُلِّهِ لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ لِلْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ لِلْآخَرِ قِيمَتَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِي إقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ. وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ، فَقَالَ اسْتَوْدَعَنِي فُلَانٌ نِصْفَ هَذِهِ الدَّابَّةِ، ثُمَّ قَالَ اسْتَوْدَعَنِي فُلَانٌ نِصْفَ هَذِهِ الدَّابَّةِ، ثُمَّ قَالَ اسْتَوْدَعَنِي فُلَانٌ آخَرُ نِصْفَ هَذِهِ الدَّابَّةِ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ إقْرَارِهِ إلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَضْمَنُ لِلثَّالِثِ نِصْفَ قِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إلَى الْأَوَّلَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَاءٌ دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ بِقَضَاءٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ فِي دَارٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ أَنَّهَا لَهُ فَالثَّابِتُ مِنْ الْإِقْرَارَيْنِ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ فَيَتَغَايَرَانِ لِلتَّعَارُضِ فَتَبْقَى الدَّارُ فِي يَدِهِ عَلَى مَا كَانَ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى أَلْفٍ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى أَلْفٍ لَفْظًا وَمَعْنًى. وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ هُنَا لِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ دَوَّارَةٌ فِي الْكُتُبِ مَعْرُوفَةٌ بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ. وَإِنْ شَهِدَا عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا كُنَّا جَمِيعًا، وَقَالَ الْآخَرُ كُنْت وَحْدِي فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ يُعَادُ وَيُكَرَّرُ وَيَكُونُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ فَبِهَذَا لَا يَخْتَلِفُ الْمَشْهُودُ بِهِ. وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ قَدْ أَخَذْت مِنْهَا شَيْئًا فَقَدْ أَقَرَّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْهَاءَ وَالْأَلِفَ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا كِنَايَةٌ عَنْ الْأَلْفِ فَكَأَنَّهُ قَالَ قَدْ أَخَذْتُ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي لَكَ عَلَيَّ شَيْئًا. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ كَمْ وَزْنُهَا أَوْ مَتَى حِلُّهَا أَوْ مَا ضَرْبُهَا أَوْ قَدْ بَرِئْتُ إلَيْكَ مِنْهَا أَوْ قَدْ أَدَّيْتُهَا إلَيْكَ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ بِأَلْفٍ لِمَا بَيَّنَّا. وَلَوْ قَالَ قَدْ بَرِئْتُ إلَيْكَ مِنْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ كَانَ لَكَ عَلَيَّ لَمْ يَكُنْ هَذَا إقْرَارًا بِالْأَلْفِ، وَلَكِنَّهُ إقْرَارٌ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْإِيفَاءُ فَيَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ مَجْهُولِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ فَيَكُونُ مُجْبَرًا عَلَى بَيَانِهِ، وَإِذَا بَيَّنَهُ يَحْلِفُ الطَّالِبُ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ وَيَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ مَا عَلَيْهِ غَيْرُ هَذَا؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً، وَهُوَ لِذَلِكَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
|