الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا تَشْتَرِطْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا الشرح: قوله (باب الشروط التي لا تحل في النكاح) في هذه الترجمة إشارة إلى تخصيص الحديث الماضي في عموم الحث على الوفاء بالشرط بما يباح لا بما نهى عنه، لأن الشروط الفاسدة لا يحل الوفاء بها فلا يناسب الحث عليها. قوله (وقال ابن مسعود لا تشترط المرأة طلاق أختها) كذا أورده معلقا عن ابن مسعود، وسأبين أن هذا اللفظ بعينه وقع في بعض طرق الحديث المرفوع عن أبي هريرة، ولعله لما لم يقع له اللفظ مرفوعا أشار إليه في المعلق إيذانا بأن المعنى واحد. الحديث: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ زَكَرِيَّاءَ هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا الشرح: قوله (لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإنما لها ما قدر لها) هكذا أورده البخاري بهذا اللفظ، وقد أخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من طريق ابن الجنيد عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه بلفظ " لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكفئ إناءها " وكذلك أخرجه البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي عن عبيد الله بن موسى لكن قال " لا ينبغي " بدل " لا يصلح " وقال " لتكفئ"، وأخرجه الإسماعيلي من طريق يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة عن أبيه بلفظ ابن الجنيد لكن قال " لتكفئ " فهذا هو المحفوظ من هذا الوجه من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة. وأخرج البيهقي من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة في حديث طويل أوله " إياكم والظن - وفيه - ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ إناء صاحبتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها " وهذا قريب من اللفظ الذي أورده البخاري هنا. وقد أخرج البخاري من أول الحديث إلى قوله " حتى ينكح أو يترك " ونبهت على ذلك فيما تقدم قريبا في " باب لا يخطب على خطبة أخيه " فإما أن يكون عبيد الله بن موسى حدث به على اللفظين أو انتقل الذهن من متن إلى متن، وسيأتي في كتاب القدر من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها " وتقدم في البيوع من رواية الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في حديث أوله " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد - وفي آخره - ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في إنائها". قوله (لا يحل) ظاهر في تحريم ذلك، وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج أو للزوج منها أو يكون سؤالها ذلك بعوض وللزوج رغبة في ذلك فيكون كالخلع مع الأجنبي إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة. وقال ابن حبيب: حمل العلماء هذا النهي على الندب، فلو فعل ذلك لم يفسخ النكاح وتعقبه ابن بطال بأن نفي الحل صريح في التحريم، ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح، وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى، ولترض بما قسم الله لها. قوله (أختها) قال النووي: معنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل رجلا طلاق زوجته وأن يتزوجها هي فيصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك بقوله " تكفئ ما في صحفتها، قال والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين، ويلحق بذلك الكافرة في الحكم وإن لم تكن أختا في الدين إما لأن المراد الغالب أو أنها أختها في الجنس الآدمي، وحمل ابن عبد البر الأخت هنا على الضرة فقال: فيه من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به، وهذا يمكن في الرواية التي وقعت بلفظ " لا تسأل المرأة طلاق أختها"، وأما الرواية التي فيها لفظ الشرط فظاهرها أنها في الأجنبية ويؤيده قوله فيها " ولتنكح " أي ولتتزوج الزوج المذكور من غير أن يشترط أن يطلق التي قبلها، وعلى هذا فالمراد هنا بالأخت الأخت في الدين؛ ويؤيده زيادة ابن حبان في آخره من طريق أبي كثير عن أبي هريرة بلفظ " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإن المسلمة أخت المسلمة " وقد تقدم في " باب لا يخطب الرجل على خطبة أخيه " نقل الخلاف عن الأوزاعي وبعض الشافعية أن ذلك مخصوص بالمسلمة، وبه جزم أبو الشيخ في كتاب النكاح، ويأتي مثله هنا، ويجيء على رأي ابن القاسم أن يستثنى ما إذا كان المسئول طلاقها فاسقة، وعند الجمهور لا فرق. قوله (لتستفرغ صحفتها) يفسر المراد بقوله " تكتفئ " وهو بالهمز افتعال من كفأت الإناء إذا قلبته وأفرغت ما فيه، وكذا يكفأ وهو بفتح أوله وسكون الكاف وبالهمز، وجاء أكفأت الإناء إذا أملته وهو في رواية ابن المسيب " لتكفئ " بضم أوله من أكفأت وهي بمعنى أملته ويقال بمعنى أكببته أيضا، والمراد بالصحفة ما يحصل من الزوج كما تقدم من كلام النووي. وقال صاحب النهاية: الصحفة إناء كالقصعة المبسوطة، قال: وهذا مثل، يريد الاستئثار عليها بحظها فيكون كمن قلب إناء غيره في إنائه. وقال الطيبي: هذه استعارة مستملحة تمثيلية، شبه النصيب والبخت بالصحفة وحظوظها وتمتعاتها بما يوضع في الصحفة من الأطعمة اللذيذة، وشبه الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الأطعمة، ثم أدخل المشبه في جنس المشبه به واستعمل في المشبه ما كان مستعملا في المشبه به. قوله (ولتنكح) بكسر اللام وبإسكانها وبسكون الحاء على الأمر، ويحتمل النصب عطفا على قوله " لتكتفئ " فيكون تعليلا لسؤال طلاقها، ويتعين على هذا كسر اللام، ثم يحتمل أن المراد ولتنكح ذلك الرجل من غير أن تتعرض لإخراج الضرة من عصمته بل تكل الأمر في ذلك إلى ما يقدره الله، ولهذا ختم بقوله " فإنما لها ما قدر لها " إشارة إلى أنها وإن سألت ذلك وألحت فيه واشترطته فإنه لا يقع من ذلك إلا ما قدره الله، فينبغي أن لا تتعرض هي لهذا المحذور الذي لا يقع منه شيء بمجرد إرادتها، وهذا مما يؤيد أن الأخت من النسب أو الرضاع لا تدخل في هذا، ويحتمل أن يكون المراد ولتنكح غيره وتعرض عن هذا الرجل، أو المراد ما يشمل الأمرين، والمعنى ولتنكح من تيسر لها فإن كانت التي قبلها أجنبية فلتنكح الرجل المذكور وإن كانت أختها فلتنكح غيره، والله أعلم. *3* وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله (باب الصفرة للمتزوج) كذا قيده بالمتزوج إشارة إلى الجمع بين حديث الباب وحديث النهي عن التزعفر للرجال، وسيأتي البحث فيه بعد أبواب. قوله (رواه عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم) يشير إلى حديثه الذي تقدم موصولا في أول البيوع قال " لما قدمنا المدينة - فذكر الحديث بطوله وفيه - جاء عبد الرحمن بن عوف وعليه أثر صفرة فقال: تزوجت؟ قال نعم". الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا قَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ الشرح: أورد المصنف هذه القصة في هذا الباب من طريق مالك عن حميد مختصرة، وسيأتي شرحها في " باب الوليمة ولو بشاة " مستوفى إن شاء الله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَوْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ فَأَوْسَعَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا فَخَرَجَ كَمَا يَصْنَعُ إِذَا تَزَوَّجَ فَأَتَى حُجَرَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُو وَيَدْعُونَ لَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ فَرَجَعَ لَا أَدْرِي آخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ بِخُرُوجِهِمَا الشرح: قوله (باب) كذا لهم بغير ترجمة " وسقط لفظ باب من رواية النسفي، وكذا من شرح ابن بطال، ثم استشكله بأن الحديث المذكور لا يتعلق بترجمة الصفرة للمتزوج، وأجيب بما ثبت في أكثر الروايات من لفظ " باب " والسؤال باق فإن الإتيان بلفظ باب وإن كان بغير ترجمة لكنه كالفصل من الباب الذي قبله كما تقرر غير مرة، والحديث المذكور هنا حديث أنس " أولم النبي صلى الله عليه وسلم بزينب " يعني بنت جحش أورده مختصرا، وقد تقدم مطولا في تفسير سورة الأحزاب مع شرحه، ومناسبته للترجمة من جهة أنه لم يقع في قصة تزويج زينب بنت جحش ذكر للصفرة، فكأنه يقول: الصفرة للمتزوج من الجائز لا من المشروط لكل متزوج *3* الشرح: قوله (باب كيف يدعى للمتزوج) ذكر فيه قصة تزويج عبد الرحمن بن عوف مختصرة من طريق ثابت عن أنس وفيه " قال بارك الله لك " قال ابن بطال: إنما أراد بهذا الباب والله أعلم رد قول العامة عند العرس بالرفاء والبنين فكأنه أشار إلى تضعيفه، ونحو ذلك كحديث معاذ بن جبل أنه شهد إملاك رجل من الأنصار فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكح الأنصاري وقال " على الألفة والخير والبركة والطير الميمون والسعة في الرزق " الحديث أخرجه الطبراني في " الكبير " بسند ضعيف، وأخرجه فيه " الأوسط " بسند أضعف منه، وأخرجه أبو عمرو البرقاني في كتاب معاشرة الأهلين من حديث أنس وزاد فيه " والرفاء والبنين " وفي سنده أبان العبدي وهو ضعيف، وأقوى من ذلك ما أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفأ إنسانا قال: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير " وقوله " رفأ " بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له في موضع قولهم بالرفاء والبنين، وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية فورد النهي عنها كما روى بقي بن مخلد من طريق غالب عن الحسن عن رجل من بني تميم قال " كنا نقول في الجاهلية بالرفاء والبنين " فلما جاء الإسلام علمنا نبينا قال: قولوا بارك الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم". وأخرج النسائي والطبراني من طريق أخرى عن الحسن عن عقيل بن أبي طالب أنه " قدم البصرة فتزوج امرأة فقالوا له: بالرفاء والبنين، فقال: لا تقولوا هكذا وقولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك لهم وبارك عليهم " ورجاله ثقات إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال ودل حديث أبي هريرة على أن اللفظ كان مشهورا عندهم غالبا حتى سمي كل دعاء للمتزوج ترفئة، واختلف في علة النهي عن ذلك فقيل لأنه لا حمد فيه ولا ثناء ولا ذكر لله، وقيل لما فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر، وأما الرفاء فمعناه الالتئام من رفأت الثوب ورفوته رفوا ورفاء وهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه. وقال ابن المنير: الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كره اللفظ لما فيه من موافقة الجاهلية لأنهم كانوا يقولونه تفاؤلا لا دعاء، فيظهر أنه لو قيل للمتزوج بصورة الدعاء لم يكره كأن يقول: اللهم ألف بينهما وارزقهما بنين صالحين مثلا، أو ألف الله بينكما ورزقكما ولدا ذكرا ونحو ذلك. وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عمر بن قيس الماضي قال " شهدت شريحا وأتاه رجل من أهل الشام فقال: إني تزوجت امرأة، فقال بالرفاء والبنين " الحديث، وأخرجه عبد الرزاق من طريق عدي بن أرطاة قال " حدثت شريحا أني تزوجت امرأة فقال: بالرفاء والبنين " فهو محمول على أن شريحا لم يبلغه النهي عن ذلك، ودل صنيع المؤلف على أن الدعاء للمتزوج بالبركة هو المشروع، ولا شك أنها لفظة جامعة يدخل فيها كل مقصود من ولد وغيره، ويؤيد ذلك ما تقدم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له تزوجت بكرا أو ثيبا " قال له بارك الله لك " والأحاديث في ذلك معروفة. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ قَالَ مَا هَذَا قَالَ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ الشرح: قوله (باب كيف يدعى للمتزوج) ذكر فيه قصة تزويج عبد الرحمن بن عوف مختصرة من طريق ثابت عن أنس وفيه " قال بارك الله لك " قال ابن بطال: إنما أراد بهذا الباب والله أعلم رد قول العامة عند العرس بالرفاء والبنين فكأنه أشار إلى تضعيفه، ونحو ذلك كحديث معاذ بن جبل أنه شهد إملاك رجل من الأنصار فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكح الأنصاري وقال " على الألفة والخير والبركة والطير الميمون والسعة في الرزق " الحديث أخرجه الطبراني في " الكبير " بسند ضعيف، وأخرجه فيه " الأوسط " بسند أضعف منه، وأخرجه أبو عمرو البرقاني في كتاب معاشرة الأهلين من حديث أنس وزاد فيه " والرفاء والبنين " وفي سنده أبان العبدي وهو ضعيف، وأقوى من ذلك ما أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفأ إنسانا قال: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير " وقوله " رفأ " بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له في موضع قولهم بالرفاء والبنين، وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية فورد النهي عنها كما روى بقي بن مخلد من طريق غالب عن الحسن عن رجل من بني تميم قال " كنا نقول في الجاهلية بالرفاء والبنين " فلما جاء الإسلام علمنا نبينا قال: قولوا بارك الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم". وأخرج النسائي والطبراني من طريق أخرى عن الحسن عن عقيل بن أبي طالب أنه " قدم البصرة فتزوج امرأة فقالوا له: بالرفاء والبنين، فقال: لا تقولوا هكذا وقولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك لهم وبارك عليهم " ورجاله ثقات إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال ودل حديث أبي هريرة على أن اللفظ كان مشهورا عندهم غالبا حتى سمي كل دعاء للمتزوج ترفئة، واختلف في علة النهي عن ذلك فقيل لأنه لا حمد فيه ولا ثناء ولا ذكر لله، وقيل لما فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر، وأما الرفاء فمعناه الالتئام من رفأت الثوب ورفوته رفوا ورفاء وهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه. وقال ابن المنير: الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كره اللفظ لما فيه من موافقة الجاهلية لأنهم كانوا يقولونه تفاؤلا لا دعاء، فيظهر أنه لو قيل للمتزوج بصورة الدعاء لم يكره كأن يقول: اللهم ألف بينهما وارزقهما بنين صالحين مثلا، أو ألف الله بينكما ورزقكما ولدا ذكرا ونحو ذلك. وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عمر بن قيس الماضي قال " شهدت شريحا وأتاه رجل من أهل الشام فقال: إني تزوجت امرأة، فقال بالرفاء والبنين " الحديث، وأخرجه عبد الرزاق من طريق عدي بن أرطاة قال " حدثت شريحا أني تزوجت امرأة فقال: بالرفاء والبنين " فهو محمول على أن شريحا لم يبلغه النهي عن ذلك، ودل صنيع المؤلف على أن الدعاء للمتزوج بالبركة هو المشروع، ولا شك أنها لفظة جامعة يدخل فيها كل مقصود من ولد وغيره، ويؤيد ذلك ما تقدم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له تزوجت بكرا أو ثيبا " قال له بارك الله لك " والأحاديث في ذلك معروفة. *3* الشرح: قوله (باب الدعاء للنسوة اللاتي يهدين العروس وللعروس) في رواية الكشميهني للنساء بدل النسوة، وأورد فيه حديث عائشة " تزوجني صلى الله عليه وسلم فأتتني أمي فأدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار فقلن: على الخير والبركة " وهو مختصر من حديث مطول تقدم بتمامه بهذا السند بعينه في " باب تزويج عائشة " قبيل أبواب الهجرة إلى المدينة، وظاهر هذا الحديث مخالف للترجمة فإن فيه دعاء النسوة لمن أهدى العروس لا الدعاء لهن، وقد استشكله ابن التين فقال: لم يذكر في الباب الدعاء للنسوة، ولعله أراد كيف صفة دعائهن للعروس، لكن اللفظ لا يساعد على ذلك. وقال الكرماني: الأم هي الهادية للعروس المجهزة فهن دعون لها ولمن معها وللعروس حيث قلن على الخير جئتن أو قدمتن على الخير، قال: ويحتمل أن تكون اللام في النسوة للاختصاص أي الدعاء المختص بالنسوة اللاتي يهدين، ولكن يلزم منه المخالفة بين اللام التي للعروس لأنها بمعنى المدعو لها والتي في النسوة لأنها الداعية، وفي جواز مثله خلاف، انتهى. والجواب الأول أحسن ما توجه به الترجمة، وحاصله أن مراد البخاري بالنسوة من يهدي العروس سواء كن قليلا أو كثيرا وأن من حضر ذلك يدعو لمن أحضر العروس، ولم يرد الدعاء للنسوة الحاضرات في البيت قبل أن تأتي العروس، ويحتمل أن تكون اللام بمعنى الباء على حذف أي المختص بالنسوة، ويحتمل أن الألف واللام بدل من المضاف إليه والتقدير دعاء النسوة الداعيات للنسوة المهديات، ويحتمل أن تكون بمعنى من أي الدعاء الصادر من النسوة، وعند أبي الشيخ في كتاب النكاح من طريق يزيد بن حفصة عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجوار بناحية بني جدرة وهن يقلن: فحيونا نحييكم، فقال: قلن حيانا الله وحياكم " فهذا فيه دعاء للنسوة اللاتي يهدين العروس وقوله " يهدين " بفتح أوله من الهداية وبضمه من الهدية، ولما كانت العروس تجهز من عند أهلها إلى الزوج احتاجت إلى من يهديها الطريق إليه أو أطلقت عليها أنها هدية فالضبط بالوجهين على هذين المعنيين وأما قوله " وللعروس " فهو اسم للزوجين عند أول اجتماعهما يشمل الرجل والمرأة، وهو داخل في قول النسوة على الخير والبركة فإن ذلك يشمل المرأة وزوجها، ولعله أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث عائشة كما نبهت عليه هناك، وفيه أن أمها لما أجلستها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله، بارك الله لك فيهم. وقوله في حديث الباب " فإذا نسوة من الأنصار " سمى منهن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية فقد أخرج جعفر المستغفري من طريق يحيى بن أبي كثير عن كلاب بن تلاد عن تلاد عن أسماء مقينة عائشة قالت " لما أقعدنا عائشة لنجليها على رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا فقرب إلينا تمرا ولبنا الحديث". وأخرج أحمد والطبراني هذه القصة من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن، ووقع في رواية للطبراني أسماء بنت عميس ولا يصح لأنها حينئذ كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة، والمقينة بقاف ونون التي تزين العروس عند دخولها على زوجها. الحديث: حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ الشرح: قوله (باب الدعاء للنسوة اللاتي يهدين العروس وللعروس) في رواية الكشميهني للنساء بدل النسوة، وأورد فيه حديث عائشة " تزوجني صلى الله عليه وسلم فأتتني أمي فأدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار فقلن: على الخير والبركة " وهو مختصر من حديث مطول تقدم بتمامه بهذا السند بعينه في " باب تزويج عائشة " قبيل أبواب الهجرة إلى المدينة، وظاهر هذا الحديث مخالف للترجمة فإن فيه دعاء النسوة لمن أهدى العروس لا الدعاء لهن، وقد استشكله ابن التين فقال: لم يذكر في الباب الدعاء للنسوة، ولعله أراد كيف صفة دعائهن للعروس، لكن اللفظ لا يساعد على ذلك. وقال الكرماني: الأم هي الهادية للعروس المجهزة فهن دعون لها ولمن معها وللعروس حيث قلن على الخير جئتن أو قدمتن على الخير، قال: ويحتمل أن تكون اللام في النسوة للاختصاص أي الدعاء المختص بالنسوة اللاتي يهدين، ولكن يلزم منه المخالفة بين اللام التي للعروس لأنها بمعنى المدعو لها والتي في النسوة لأنها الداعية، وفي جواز مثله خلاف، انتهى. والجواب الأول أحسن ما توجه به الترجمة، وحاصله أن مراد البخاري بالنسوة من يهدي العروس سواء كن قليلا أو كثيرا وأن من حضر ذلك يدعو لمن أحضر العروس، ولم يرد الدعاء للنسوة الحاضرات في البيت قبل أن تأتي العروس، ويحتمل أن تكون اللام بمعنى الباء على حذف أي المختص بالنسوة، ويحتمل أن الألف واللام بدل من المضاف إليه والتقدير دعاء النسوة الداعيات للنسوة المهديات، ويحتمل أن تكون بمعنى من أي الدعاء الصادر من النسوة، وعند أبي الشيخ في كتاب النكاح من طريق يزيد بن حفصة عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجوار بناحية بني جدرة وهن يقلن: فحيونا نحييكم، فقال: قلن حيانا الله وحياكم " فهذا فيه دعاء للنسوة اللاتي يهدين العروس وقوله " يهدين " بفتح أوله من الهداية وبضمه من الهدية، ولما كانت العروس تجهز من عند أهلها إلى الزوج احتاجت إلى من يهديها الطريق إليه أو أطلقت عليها أنها هدية فالضبط بالوجهين على هذين المعنيين وأما قوله " وللعروس " فهو اسم للزوجين عند أول اجتماعهما يشمل الرجل والمرأة، وهو داخل في قول النسوة على الخير والبركة فإن ذلك يشمل المرأة وزوجها، ولعله أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث عائشة كما نبهت عليه هناك، وفيه أن أمها لما أجلستها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله، بارك الله لك فيهم. وقوله في حديث الباب " فإذا نسوة من الأنصار " سمى منهن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية فقد أخرج جعفر المستغفري من طريق يحيى بن أبي كثير عن كلاب بن تلاد عن تلاد عن أسماء مقينة عائشة قالت " لما أقعدنا عائشة لنجليها على رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا فقرب إلينا تمرا ولبنا الحديث". وأخرج أحمد والطبراني هذه القصة من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن، ووقع في رواية للطبراني أسماء بنت عميس ولا يصح لأنها حينئذ كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة، والمقينة بقاف ونون التي تزين العروس عند دخولها على زوجها. *3* الشرح: قوله (باب من أحب البناء) أي بزوجته التي لم يدخل بها (قبل الغزو) أي إذا حضر الجهاد ليكون فكره مجتمعا. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمْ يَبْنِ بِهَا الشرح: حديث أبي هريرة الماضي في كتاب الجهاد ثم في فرض الخمس، وقد شرحته فيه وبينت الاختلاف في اسم النبي الذي غزا هل هو يوشع أو داود، قال ابن المنير. يستفاد منه الرد على العامة في تقديمهم الحج على الزواج ظنا منهم أن التعفف إنما يتأكد بعد الحج، بل الأولى أن يتعفف ثم يحج. *3* الشرح: قوله (باب من بنى بامرأة وهي بنت تسع سنين) ذكر فيه حديث عائشة في ذلك، وقد تقدم شرحه في مناقبها الحديث: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا الشرح: حديث عائشة في ذلك، قد تقدم شرحه في مناقبها *3* الشرح: قوله (باب البناء) أي بالمرأة (في السفر) ذكر فيه حديث أنس في قصة صفية بنت حيي، وقد تقدم في أول النكاح. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ فَأُلْقِيَ فِيهَا مِنْ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَقَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ الشرح: حديث أنس في قصة صفية بنت حيي، وقد تقدم في أول النكاح. وقوله "ثلاثا يبنى عليه بصفية " أي تجلى عليه، وفيه إشارة إلى أن سنة الإقامة عند الثيب لا تختص بالحضر ولا تتقيد بمن له امرأة غيرها. ويؤخذ منه جواز تأخير الأشغال العامة للشغل الخاص إذا كان لا يفوت به غرض، والاهتمام بوليمة العرس وإقامة سنة النكاح بإعلامه وغير ذلك مما تقدم ويأتي إن شاء الله تعالى *3* الشرح: قوله (باب البناء بالنهار بغير مركب ولا نيران) ذكر فيه طرفا من حديث عائشة في تزويج النبي بها، وأشار بقوله بالنهار إلى أن الدخول على الزوجة لا يختص بالليل، وبقوله " وبغير مركب ولا نيران " إلى ما أخرجه سعيد بن منصور - ومن طريقه أبو الشيخ في كتاب النكاح - من طريق عروة بن رويم " أن عبد الله بن قرظ الثمالي وكان عامل عمر على حمص مرت به عروس وهم يوقدون النيران بين يديها فضربهم بدرته حتى تفرقوا عن عروسهم، ثم خطب فقال: أن عروسكم أوقدوا النيران وتشبهوا بالكفرة والله مطفئ نورهم الحديث: حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى الشرح: قوله (باب البناء بالنهار بغير مركب ولا نيران) ذكر فيه طرفا من حديث عائشة في تزويج النبي بها، وأشار بقوله بالنهار إلى أن الدخول على الزوجة لا يختص بالليل، وبقوله " وبغير مركب ولا نيران " إلى ما أخرجه سعيد بن منصور - ومن طريقه أبو الشيخ في كتاب النكاح - من طريق عروة بن رويم " أن عبد الله بن قرظ الثمالي وكان عامل عمر على حمص مرت به عروس وهم يوقدون النيران بين يديها فضربهم بدرته حتى تفرقوا عن عروسهم، ثم خطب فقال: أن عروسكم أوقدوا النيران وتشبهوا بالكفرة والله مطفئ نورهم *3* الشرح: قوله (باب الأنماط ونحوه للنساء) أي من الكلل والأستار والفرش وما في معناه، والأنماط جمع نمط بفتح النون والميم تقدم بيانه في علامات النبوة، وقوله "ونحوه " أعاد الضمير مفردا على مفرد الأنماط، وتقدم بيان وجه الاستدلال على الجواز من هذا الحديث، ولعل المصنف أشار إلى ما أخرجه مسلم من حديث عائشة قالت " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاته فأخذت نمطا فنشرته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهة في وجهه فجذبه حتى هتكه فقال: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين، قال فقطعت منه وسادتين فلم يعب ذلك علي " فيؤخذ منه أن الأنماط لا يكره اتخاذها لذاتها بل لما يصنع بها، وسيأتي البحث في ستر الجدر في " باب هل يرجع إذا رأى منكرا " من أبواب الوليمة قال ابن بطال: يؤخذ من الحديث إن المشورة للمرأة دون الرجل، لقول جابر لامرأته " أخري عني أنماطك " كذا قال، ولا دلالة في ذلك لأنها كانت لامرأة جابر حقيقة فلذلك أضافها لها، وإلا ففي نفس الحديث أنه " ستكون لكم أنماط " فأضافها إلى أعم من ذلك، وهو الذي استدلت به امرأة جابر على الجواز، قال: وفيه أن مشورة النساء للبيوت من الأمر القديم المتعارف، كذا قال، وبعكر عليه حديث عائشة وسيأتي البحث فيه. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ اتَّخَذْتُمْ أَنْمَاطًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَّى لَنَا أَنْمَاطٌ قَالَ إِنَّهَا سَتَكُونُ الشرح: قوله (باب الأنماط ونحوه للنساء) أي من الكلل والأستار والفرش وما في معناه، والأنماط جمع نمط بفتح النون والميم تقدم بيانه في علامات النبوة، وقوله "ونحوه " أعاد الضمير مفردا على مفرد الأنماط، وتقدم بيان وجه الاستدلال على الجواز من هذا الحديث، ولعل المصنف أشار إلى ما أخرجه مسلم من حديث عائشة قالت " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاته فأخذت نمطا فنشرته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهة في وجهه فجذبه حتى هتكه فقال: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين، قال فقطعت منه وسادتين فلم يعب ذلك علي " فيؤخذ منه أن الأنماط لا يكره اتخاذها لذاتها بل لما يصنع بها، وسيأتي البحث في ستر الجدر في " باب هل يرجع إذا رأى منكرا " من أبواب الوليمة قال ابن بطال: يؤخذ من الحديث إن المشورة للمرأة دون الرجل، لقول جابر لامرأته " أخري عني أنماطك " كذا قال، ولا دلالة في ذلك لأنها كانت لامرأة جابر حقيقة فلذلك أضافها لها، وإلا ففي نفس الحديث أنه " ستكون لكم أنماط " فأضافها إلى أعم من ذلك، وهو الذي استدلت به امرأة جابر على الجواز، قال: وفيه أن مشورة النساء للبيوت من الأمر القديم المتعارف، كذا قال، وبعكر عليه حديث عائشة وسيأتي البحث فيه. *3* الشرح: قوله (باب النسوة التي يهدين المرأة إلى زوجها) في رواية الكشميهني " اللاتي " بصيغة الجمع وهو أولى. قوله (ودعائهن بالبركة) ثبتت هذه الزيادة في رواية أبي ذر وحده وسقطت لغيره، ولم يذكر هنا الإسماعيلي ولا أبو نعيم ولا وقع في حديث عائشة الذي ذكره المصنف في الباب ما يتعلق بها، لكن إن كانت محفوظة فلعله أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث عائشة، وذلك فيما أخرجه أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق بهية " عن عائشة أنها زوجت يتيمة كانت في حجرها رجلا من الأنصار، قالت وكنت فيمن أهداها إلى زوجها، فلما رجعنا قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قلتم يا عائشة؟ قالت قلت سلمنا ودعونا الله بالبركة ثم انصرفنا". الحديث: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَفَّتْ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ الشرح: قوله (إنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار) لم أقف على اسمها صريحا وقد تقدم أن المرأة كانت يتيمة في حجر عائشة، وكذا للطبراني في " الأوسط " من طريق شريك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ووقع عند ابن ماجه من حديث ابن عباس " أنكحت عائشة قرابة لها " ولأبي الشيخ من حديث جابر " أن عائشة زوجت بنت أخيها أو ذات قرابة منها " وفي " أمالي المحاملي " من وجه آخر عن جابر " نكح بعض أهل الأنصار بعض أهل عائشة فأهدتها إلى قباء " وكنت ذكرت في المقدمة تبعا لابن الأثير في " أسد الغابة " فإنه قال إن اسم هذه اليتيمة المذكورة في حديث عائشة الفارعة بنت أسعد بن زرارة، وأن اسم زوجها نبيط بن جابر الأنصاري. وقال في ترجمة الفارعة: أن أباها أسعد بن زرارة أوصى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيط بن جابر، ثم ساق من طريق المعافى بن عمران الموصلي حديث عائشة الذي ذكرته أولا من طريق بهية عنها ثم قال " هذه اليتيمة هي الفارعة المذكورة " كذا قال، وهو محتمل، لكن منع من تفسيرها بها ما وقع من الزيادة أنها كانت قرابة عائشة فيجوز التعدد، ولا يبعد تفسير المبهمة في حديث الباب بالفارعة إذ ليس فيه تقييد بكونها قرابة عائشة. قوله (ما كان معكم لهو) في رواية شريك فقال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: تقول ماذا؟ قال تقول: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم ولولا الذهب الأحم ر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم وفي حديث جابر بعضه، وفي حديث ابن عباس أوله إلى قوله " وحياكم". قوله (فإن الأنصار يعجبهم اللهو) في حديث ابن عباس وجابر " قوم فيهم غزل " وفي حديث جابر عند المحاملي " أدركيها يا زينب، امرأة كانت تغني بالمدينة، ويستفاد منه تسمية المغنية الثانية في القصة التي وقعت في حديث عائشة الماضي في العيدين حيث جاء فيه " دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان " وكنت ذكرت هناك أن اسم إحداهما حمامة كما ذكره ابن أبي الدنيا في " كتاب العيدين " له بإسناد حسن، وأني لم أقف على اسم الأخرى، وقد جوزت الآن أن تكون هي زينب هذه. وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد عن قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين قال " أنه رخص لنا في اللهو عند العرس " الحديث وصححه الحاكم، وللطبراني من حديث السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم " وقيل له أترخص في هذا؟ قال: نعم، إنه نكاح لا سفاح، أشيدوا النكاح " وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم " أعلنوا النكاح " زاد الترمذي وابن ماجه من حديث عائشة " واضربوا عليه بالدف " وسنده ضعيف، ولأحمد والترمذي والنسائي من حديث محمد بن حاطب " فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف " واستدل بقوله " واضربوا " على أن ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف، والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن. *3* وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ واسْمُهُ الْجَعْدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَرَّ بِنَا فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا بِزَيْنَبَ فَقَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْمٍ لَوْ أَهْدَيْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً فَقُلْتُ لَهَا افْعَلِي فَعَمَدَتْ إِلَى تَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ فَاتَّخَذَتْ حَيْسَةً فِي بُرْمَةٍ فَأَرْسَلَتْ بِهَا مَعِي إِلَيْهِ فَانْطَلَقْتُ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ لِي ضَعْهَا ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَالَ ادْعُ لِي رِجَالًا سَمَّاهُمْ وَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ قَالَ فَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرَنِي فَرَجَعْتُ فَإِذَا الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْحَيْسَةِ وَتَكَلَّمَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَقُولُ لَهُمْ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ قَالَ حَتَّى تَصَدَّعُوا كُلُّهُمْ عَنْهَا فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ وَبَقِيَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ قَالَ وَجَعَلْتُ أَغْتَمُّ ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ الْحُجُرَاتِ وَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ فَقُلْتُ إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَإِنِّي لَفِي الْحُجْرَةِ وَهُوَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ قَالَ أَبُو عُثْمَانَ قَالَ أَنَسٌ إِنَّهُ خَدَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ الشرح: قوله (باب الهدية للعروس) أي صبيحة بنائه بأهله. قوله (وقال إبراهيم) ابن طهمان (عن أبي عثمان واسمه الجعد عن أنس بن مالك قال: مر بنا في مسجد بني رفاعة) يعني بالبصرة قال (فسمعته يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بجنبات أم سليم) كذا فيه، والجنبات بفتح الجيم والنون ثم موحدة جمع جنبة وهي الناحية. قوله (دخل عليها فسلم عليها) هذا القدر من هذا الحديث مما تفرد به إبراهيم بن طهمان عن أبي عثمان في هذا الحديث، وشاركه في بقيته جعفر بن سليمان ومعمر بن راشد كلاهما عن أبي عثمان أخرجه مسلم من حديثهما، ولم يقع لي موصولا من حديث إبراهيم بن طهمان إلا أن بعض من لقيناه من الشراح زعم أن النسائي أخرجه عن أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد عن أبيه عنه، ولم أقف على ذلك بعد. قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب) يعني بنت جحش، وقد تقدم بيان آيته صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام واضحا في علامات النبوة، وقد استشكل عياض ما وقع في هذا الحديث من أن الوليمة بزينب بنت جحش كانت من الحيس الذي أهدته أم سليم، وأن المشهور من الروايات أنه أولم عليها بالخبز واللحم، ولم يقع في القصة تكثير ذلك الطعام وإنما فيه " أشبع المسلمين خبزا ولحما " وذكر في حديث الباب أن أنسا قال " فقال لي ادع رجالا سماهم وادع من لقيت، وأنه أدخلهم ووضع صلى الله عليه وسلم يده على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله، ثم جعل يدعو عشرة عشرة حتى تصدعوا كلهم عنها " يعني تفرقوا، قال عياض: هذا وهم من راويه وتركيب قصة على أخرى. وتعقبه القرطبي بأنه لا مانع من الجمع بين الروايتين، والأولى أن يقال لا وهم في ذلك، فلعل الذين دعوا إلى الخبز واللحم فأكلوا حتى شبعوا وذهبوا لم يرجعوا، ولما بقي النفر الذين كانوا يتحدثون جاء أنس بالحيسة فأمر بأن يدعو ناسا آخرين ومن لقي فدخلوا فأكلوا أيضا حتى شبعوا، واستمر أولئك النفر يتحدثون. وهو جمع لا بأس به، وأولى منه أن يقال إن حضور الحيسة صادف حضور الخبز واللحم فأكلوا كلهم من كل ذلك. وعجبت من إنكار عياض وقوع تكثير الطعام في قصة الخبز واللحم مع أن أنسا يقول إنه أولم عليها بشاة كما سيأتي قريبا ويقول إنه أشبع المسلمين خبزا ولحما. وما الذي يكون قدر الشاة حتى يشبع المسلمين جميعا وهم يومئذ نحو الألف لولا البركة التي حصلت من جملة آياته صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام. وقوله فيه " وبقي نفر يتحدثون " تقدم بيان عدتهم في تفسير سورة الأحزاب. وقوله "وجعلت أغتم " هو من الغم، وسببه ما فهمه من النبي صلى الله عليه وسلم من حيائه من أن يأمرهم بالقيام ومن غفلتهم بالتحدث عن العمل عما يليق من التخفيف حينئذ، وقوله في آخره " قال أبو عثمان قال أنس: إنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين " تقدم بيانه قبل قليل، وسيأتي الإلمام به أيضا في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى
|