الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **
وَلَا شَقِّ زِقِّ الْخَمْرِ أَوْ كَسْرِ دَنِّهِ إذَا عَجَزَ الْإِنْكَارُ دُونَ التَّقَدُّدِ (وَلَا) غُرْمَ أَيْضًا فِي (شَقِّ زِقٍّ) أَيْ وِعَاءٍ (الْخَمْرِ) وَالزَّقُّ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ هُوَ السِّقَاءُ أَوْ جِلْدٌ يُجَزُّ وَلَا يَنْتِفْ لِلشَّرَابِ وَغَيْرِهِ . وَالْخَمْرُ كُلُّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ أَيْ غَطَّاهُ , فَمَتَى أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ . وَشُرْبُهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ . وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم " لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا زَادَ مُسْلِمٌ " وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَبَائِعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَاللَّفْظُ لَهُ , وَابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ " وَآكِلَ ثَمَنِهَا " وَرَوَى مِثْلَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُسْقَاهَا " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ , وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ . وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ مُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ " . وَفِي رِوَايَةٍ " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ " هَذِهِ الرِّوَايَةُ لِلْبَيْهَقِيِّ . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ " قَالَ الْخَطَّابِيُّ ثُمَّ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمَا: وَفِي قَوْلِهِ حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ وَعِيدٌ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ , لِأَنَّ شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَمْرٌ إلَّا أَنَّهُمْ انْتَهَى . قُلْت: وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِيمَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَدْ أَشْبَعْت الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْكَبَائِرِ . (أَوْ) أَيْ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ فِي (كَسْرِ دَنِّهِ) أَيْ دَنِّ الْخَمْرِ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرَّاقُودُ الْعَظِيمُ أَوْ أَطْوَلُ مِنْ الْحُبِّ أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ لَهُ عَسْعَسٌ لَا يَقْعُدُ إلَّا أَنْ يَحْفِرَ لَهُ . وَفِي لُغَةِ الْإِقْنَاعِ: الدَّنُّ الْحُبُّ إلَّا أَنَّهُ أَطْوَلُ مِنْهُ وَأَوْسَعُ رَأْسًا وَجَمْعُهُ دِنَانٌ مِثْل سَهْمٍ وَسِهَامٍ , وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحُبِّ: وَالْحُبُّ الْجَرَّةُ أَوْ الضَّخْمَةُ مِنْهَا جَمْعُهُ أَحْبَابٌ وَحِبَبَةٌ وَحِبَابٌ وَبِالْكَسْرِ الْمُحِبُّ . انْتَهَى . وَقَوْلُ النَّاظِمِ (إذَا عَجَزَ الْإِنْكَارُ) أَيْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْإِنْكَارُ (دُونَ) أَيْ غَيْرَ التَّقَدُّدِ يَعْنِي حَيْثُ لَمْ تُمْكِنْ إزَالَةُ هَذَا الْمُنْكَرِ الَّذِي هُوَ إرَاقَةُ الْخَمْرِ بِغَيْرِ تُقَدِّدْ زَقِّ الْخَمْرِ أَوْ كَسْرِ دَنِّهِ . وَمَفْهُومُهُ ضَمَانُ آنِيَةِ الْخَمْرِ مَعَ إمْكَانِ إرَاقَتِهَا دُونَ تَلَفِ الْآنِيَةِ , ثُمَّ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ فَقَالَ: وَإِنْ يَتَأَتَّى دُونَهُ دَفْعُ مُنْكَرٍ ضَمِنْت الَّذِي يُنْقَى بِتَغْسِيلِهِ قَدْ (وَإِنْ يَتَأَتَّى) أَيْ يُمْكِنُ إرَاقَةُ الْخَمْرِ مِنْ الزَّقِّ أَوْ الدَّنِّ (دُونَهُ) أَيْ دُونَ شَقِّ زَقِّ الْخَمْرِ وَدُونَ كَسْرِ دَنِّهِ (دَفْعٌ) أَيْ إزَالَةُ (مُنْكَرٍ) وَهُوَ الْخَمْرُ بِلَا شَقِّ زَقٍّ أَوْ كَسْرِ دَنٍّ ثُمَّ مَعَ الْإِمْكَانِ وَالتَّأَتِّي وَالنَّهْيِ لِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَدَفْعِهِ مَعَ إرَاقَةِ الْخَمْرِ بِغَيْرِ شَقٍّ وَكَسْرٍ إنْ شَقَقْت الزق أَوْ كَسَرْت الدَّنَّ (ضَمِنْت) أَيْ غَرِمْت الزق أَوْ الدَّنَّ (الَّذِي يُنْقَى) أَيْ يُنَظَّفُ وَيُطَهَّرُ . وَأَصْلُ النَّقَاءِ الْبَيَاضُ وَالنَّظَافَةُ , وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الطَّهَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْوِعَاءُ طَاهِرًا جَائِزَ الِاسْتِعْمَالِ بَعْدَ كَوْنِهِ نَجِسًا مُحَرَّمَ الِاسْتِعْمَالِ (بِتَغْسِيلِهِ) أَيْ بِسَبَبِ تَغْسِيلِ ذَلِكَ الْإِنَاءِ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ . فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَطْهِيرُهُ بِأَنْ كَانَ تَشْرَبُ النَّجَاسَةَ فَلَا ضَمَانَ بِأَنْ يَكُونَ الدَّنُّ أَوْ الزق فَشَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ . وَقَوْلُهُ (قَدْ) أَيْ حَسْبُ , يَعْنِي فَقَطْ دُونَ الَّذِي لَمْ يَطْهُرْ بِتَغْسِيلِهِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ . وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَجْزِ عَنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ بِدُونِ كَسْرٍ أَوْ شَقِّ وِعَاءِ الْخَمْرِ وَإِلَّا ضَمِنَ رِوَايَةً اخْتَارَهَا النَّاظِمُ رحمه الله نَقَلَهَا فِي الْإِنْصَافِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَثْرَمِ مِنْ الْإِمَامِ رضي الله عنه . وَالْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ خِلَافُهُ . قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى إرَاقَتِهَا بِدُونِ تَلَفِ الْإِنَاءِ أَوْ لَا . قَالَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ , وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ , وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ . وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما " أَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ آتِيَهُ بِمُدْيَةٍ وَهِيَ الشَّفْرَةُ فَأَتَيْت بِهَا فَأَرْسَلَ بِهَا فَأُرْهِفَتْ ثُمَّ أَعْطَانِيهَا وَقَالَ أَعِدْ عَلَيَّ بِهَا فَفَعَلْت . فَخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ إلَى أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ وَفِيهَا زُقَاقُ الْخَمْرِ قَدْ جُلِبَتْ مِنْ الشَّامِ , فَأَخَذَ الْمُدْيَةَ مِنِّي فَشَقَّ مَا كَانَ مِنْ تِلْكَ الزِّقَاقِ بِحَضْرَتِهِ كُلِّهَا , وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَنْ يَمْضُوا مَعِي وَيُعَاوِنُونِي , وَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْأَسْوَاقَ كُلَّهَا فَلَا أَجِدُ فِيهَا زَقَّ خَمْرٍ إلَّا شَقَقْتُهُ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ . وَكَذَا لَوْ أَحْرَقَ مَخْزِنَ خَمْرٍ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْهَدْيِ , وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ . قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه: رَجُلٌ مُسْلِمٌ وُجِدَ فِي بَيْتِهِ خَمْرٌ , قَالَ يُرَاقُ الْخَمْرُ وَيُؤَدَّبُ , وَإِنْ كَانَتْ تِجَارَتَهُ يُحْرَقُ بَيْتُهُ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِرُوَيْشِدٍ . انْتَهَى . يُرِيدُ مَا رَوَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي بَيْتِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ شَرَابًا فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَحُرِقَ بَيْتُهُ , وَكَانَ يُدْعَى (رُوَيْشِدٌ) فَقَالَ عُمَرُ: إنَّهُ فُوَيْسِقٌ . وَقَالَ الْحَارِثُ: شَهِدَ قَوْمٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَصْطَنِعُ الْخَمْرَ فِي بَيْتِهِ فَيَشْرَبُهَا وَيَبِيعُهَا , فَأُمِرَ بِهَا فَكُسِرَتْ وَحُرِقَ بَيْتُهُ وَأُنْهِبَ مَالُهُ ثُمَّ جُلِدَ , وَنَفَاهُ . رَوَاهُمَا الْإِمَامُ ابْنُ بَطَّةَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ G58 وَرَضِيَ عَنْهُ وَلَمَّا بَيَّنَ النَّاظِمُ رحمه الله تعالى الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ بِمَرَاتِبِهِ الثَّلَاثَةِ وَبَيَّنَ طَرَفًا مِمَّا يُنْكِرُهُ وَيَكْسِرُهُ وَيُتْلِفُهُ . وَكَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ , فَيَكُونُ إنَّمَا أَنْكَرَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ فَقَطْ , وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي هِجْرَانُهُ , أَعْقَبَ ذَلِكَ بِبَيَانِ هِجْرَانِ أَهْلِ الذُّنُوبِ وَالْعِصْيَانِ فَقَالَ:
وَهِجْرَانُ مَنْ أَبْدَى الْمَعَاصِيَ سُنَّةٌ وَقَدْ قِيلَ إنْ يَرْدَعْهُ أَوْجِبْ وَآكَدِ (وَهِجْرَانُ) مَصْدَرُ هَجَرَهُ هَجْرًا بِالْفَتْحِ وهجرا بِالْكَسْرِ صَرَمَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْهَجْرُ ضِدُّ الْوَصْلِ يَعْنِي صَرْمَ وَقَطْعَ (مَنْ) أَيْ إنْسَانٍ مُكَلَّفٍ (أَبْدَى) أَيْ أَظْهَرَ وَأَعْلَنَ ذَلِكَ الْمُكَلَّفُ (الْمَعَاصِيَ) جَمْعُ مَعْصِيَةٍ وَهِيَ مَا يُعَابُ فَاعِلُهَا ضِدُّ الطَّاعَةِ . وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَعَاصِي فِعْلِيَّةً أَوْ قَوْلِيَّةً أَوْ اعْتِقَادِيَّةً (سُنَّةٌ) مِنْ سُنَنِ الْمُصْطَفَى يُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَى فِعْلِهَا حَيْثُ كَانَ الْهَجْرُ لِلَّهِ تَعَالَى وَغَضَبًا لِارْتِكَابِ مَعَاصِيهِ أَوْ لِإِهْمَالِ أَوَامِرِهِ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَمْ يَأْثَمْ إنْ جَفَاهُ حَتَّى يَرْجِعَ , وَإِلَّا كَيْفَ يَتَبَيَّنُ لِلرَّجُلِ مَا هُوَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرَ مُنْكَرًا وَلَا جَفْوَةً مِنْ صَدِيقٍ . وَقَدْ هَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَعْبًا وَصَاحِبِيهِ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِهَجْرِهِمْ خَمْسِينَ يَوْمًا . وَهَجَرَ نِسَاءَهُ شَهْرًا . وَهَجَرَتْ سَيِّدَتُنَا عَائِشَةُ رضي الله عنها ابْنَ أُخْتِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مُدَّةً . وَهَجَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَاتُوا متهاجرين رضوان الله عليهم أجمعين أَمَّا هِجْرَانُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَعْبًا وَصَاحِبَهُ وَهُمَا (مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ) الْعَامِرِيُّ وَ (هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ) الْوَاقِفِيُّ فَلِتَخَلُّفِهِمْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ . وَأَمَّا هِجْرَانُهُ أَهْلَهُ شَهْرًا فَلِكَلَامٍ أَغْضَبَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَلَبِ بَعْضِ أُمُورٍ وشئون مِنْهُ حَتَّى أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ , فَخَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . وَأَمَّا هِجْرَانُ سَيِّدَتِنَا وَأُمِّنَا عَائِشَةَ رضي الله عنها ابْنَ أُخْتِهَا الْإِمَامَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم فَلِفَرْطِ كَرَمِهَا رضي الله عنها وَعَدَمِ اكْتِرَاثِهَا بِالدُّنْيَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: إنَّ هَذَا سَفَهٌ أَوْ كَلَامٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَوْجَبَ غَضَبَ عَائِشَةَ وَآلَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا . وَلَفْظُ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا فَقَالَتْ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا نَعَمْ . قَالَتْ هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لَا أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إلَيْهَا حِينَ طَالَتْ الْهِجْرَةُ , فَقَالَتْ لَا وَاَللَّهِ لَا أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا " . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: أَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِإِيرَادِ أَثَرِ عَائِشَةَ هَذَا أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْهِجْرَةِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ هَجَرَ بِغَيْرِ مُوجِبٍ لِذَلِكَ . وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَفِيهِ فَطَالَتْ هِجْرَتُهَا إيَّاهُ فَنَغَّصَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ فَاسْتَشْفَعَ بِالْمُهَاجِرِينَ فَلَمْ تَقْبَلْ . وَأَخْرَجَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ وَزَادَ فِيهِ: فَاسْتَشْفَعَ إلَيْهَا بِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فَقَالَ لَهَا أَيُّ حَدِيثٍ أخبرتنيه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ الصَّرْمِ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَلَمْ تَقْبَلْ , أَيْ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَهَا مَخْصُوصٌ كَمَا تَقَدَّمَ . فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَهُمَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَقَالَ لَهُمَا أَنْشُدُكُمَا بِاَللَّهِ لَمَا أَدْخَلْتُمَانِي عَلَى عَائِشَةَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذُرَ قَطِيعَتِي . فَأَقْبَلَ بِهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلِينَ بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَا السَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ أَنَدْخُلُ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ اُدْخُلُوا . قَالُوا كُلُّنَا؟ قَالَتْ نَعَمْ اُدْخُلُوا كُلُّكُمْ وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ . فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ , الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ بَكَى وَبَكَتْ وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ . وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ بَعَثَتْ إلَى الْيَمَنِ بِمَالٍ قَالَ فَابْتِيعَ لَهَا بِهِ أَرْبَعُونَ رَقَبَةً فَأَعْتَقَتْهَا كَفَّارَةً لِنَذْرِهَا . وَأَرْسَلَ لَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ بِعَشْرِ رِقَابٍ فَأَعْتَقَتْهُمْ وَلَعَلَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْبَعِينَ بِأَنْ كَمَّلَتْ عَلَيْهِمْ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ رضي الله عنه: إذَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ لِلَّهِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا يَعْنِي مِنْ أَحَادِيثِ الْوَعِيدِ بِالْهِجْرَانِ بِشَيْءٍ , فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هَجَرَ بَعْضَ نِسَائِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا . وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه هَجَرَ ابْنًا لَهُ إلَى أَنْ مَاتَ . وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ هَجَرَ جَمَاعَةً مِمَّنْ أَجَابُوا فِي الْمِحْنَةِ مِثْلَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرِهِمَا مَعَ فَخَامَةِ شَأْنِهِمْ , حَتَّى ذَكَرَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رضي الله عنه عَمِلَ أَبْيَاتًا فِي شَأْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَأَرْسَلَهَا إلَيْهِ وَهِيَ: يَا ابْنَ الْمَدِينِيِّ الَّذِي عَرَضَتْ لَهُ دُنْيَا فَجَادَ بِدِينِهِ لِيَنَالَهَا مَاذَا دَعَاك إلَى انْتِحَالِ مَقَالَةٍ قَدْ كُنْت تَزْعُمُ كَافِرًا مَنْ قَالَهَا أَمْرٌ بَدَا لَك رُشْدُهُ فَتَبِعْته أَمْ زِينَةُ الدُّنْيَا أَرَدْت نَوَالَهَا؟ وَلَقَدْ عَهِدَتْك مَرَّةً مُتَشَدِّدًا صَعْبَ الْمَقَالَةِ لِلَّتِي تُدْعَى لَهَا إنَّ الْمُرْزَى مَنْ يُصَابُ بِدِينِهِ لَا مَنْ يُرْزَأُ نَاقَةً وَفِصَالَهَا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه بِسَنَدٍ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ رحمه الله . وَكَمْ إمَامٍ هَجَرَ لِلَّهِ خِدْنًا كَانَ أَعَزَّ عَلَيْهِ لَوْلَا انْتِهَاكُهُ لِمَحَارِمِ مَوْلَاهُ مِنْ رُوحِهِ , فَصَارَ بِذَلِكَ كَالْجَمَادِ بَلْ أَدْنَى . فَلَا نُطِيلُ الْكَلَامَ بِحِكَايَاتِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ خَيْرِ الْأَنَامِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مَعَ كَعْبٍ وَصَاحِبَيْهِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَذْكُورَةٌ . (وَقَدْ) حَرْفُ تَحْقِيقٍ , وَتَّاتِي لِلتَّقْلِيلِ كَ (قَدْ يَصْدُقُ الْكَذُوبُ) وَلِلتَّكْثِيرِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: قَدْ أَتْرُكُ الْفُرْنَ مُصْفَرًّا أَنَامِلُهُ وَلِلتَّوَقُّعِ قَدْ يَقْدُمُ الْغَائِبُ وَتَقْرِيبِ الْمَاضِي مِنْ الْحَالِ قَدْ قَامَ زَيْدٌ وَكَذَا لِتَقْرِيبِ الْمُسْتَقْبَلِ كَقَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَلِلنَّفْيِ كَقَوْلِهِمْ: قَدْ كُنْت فِي خَيْرٍ فَتَعْرِفَهُ بِنَصْبِ تَعْرِفُ . وَمَعْنَى هَذَا كَمَا ذَكَرْنَا لِلتَّحْقِيقِ (قِيلَ) فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ أَصْلُهُ قول بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ اُسْتُثْقِلَتْ الضَّمَّةُ عَلَى الْقَافِ فَحُذِفَتْ ثُمَّ نُقِلَتْ كَسْرَةُ الْوَاوِ إلَى الْقَافِ فَصَارَتْ قول فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا فَصَارَتْ قِيلَ (أَنْ يَرْدَعَهُ) أَيْ إنْ كَانَ الْهِجْرَانُ يَرْدَعُ مَنْ أَظْهَرَ الْمَعَاصِيَ أَيْ يَكُفُّهُ وَيَزْجُرُهُ وَيَرُدُّهُ , يُقَالُ رَدَعَهُ كَمَنَعَهُ كَفَّهُ وَرَدَّهُ (أَوْجَبَ) ذَلِكَ عَلَيْهِ (وَآكَدِ) الْوُجُوبَ لِأَنَّ مَا لَمْ يَتِمَّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ . وَإِنْ حَرْفُ شَرْطٍ جَازِمٌ , وَيَرْدَعْهُ فِعْلُ الشَّرْطِ , وَأَوْجِبْ جَوَابُهُ , وأكد مَعْطُوفٌ وَحُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِلْقَافِيَّةِ . وَقِيلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَا دَامَ مُعْلِنَا وَلَاقِهِ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ مُرْبَدِ (وَقِيلَ) أَوْجَبَ هَجْرَهُ (عَلَى) سَبِيلِ (الْإِطْلَاقِ) مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِكَوْنِهِ يَرْتَدِعُ بِهَذَا الْهَجْرِ أَوْ لَا . فَمَتَى ارْتَكَبَ مَعَاصِيَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْجِبْ عَلَى نَفْسِك وَإِخْوَانِك الْمُتَشَرِّعِينَ هِجْرَانَهُ (مَا دَامَ مُعْلِنَا) أَيْ مُدَّةَ دَوَامِ إعْلَانِهِ لِارْتِكَابِ الْمَعَاصِي . وَالْإِعْلَانُ الظُّهُورُ وَالْبَيَانُ وَهُوَ ضِدُّ السِّرِّ وَالْإِخْفَاءِ . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: يُسَنُّ هَجْرُ مَنْ جَهَرَ بِالْمَعَاصِي الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ والاعتقادية , وَقِيلَ: يَجِبُ إنْ ارْتَدَعَ بِهِ وَإِلَّا كَانَ مُسْتَحَبًّا . وَقِيلَ: يَجِبُ هَجْرُهُ مُطْلَقًا إلَّا مِنْ السَّلَامِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ . وَقِيلَ تَرْكُ السَّلَامِ عَلَى مَنْ جَهَرَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى يَتُوبَ فَرْضُ كِفَايَةٍ , وَيُكْرَهُ لِبَقِيَّةِ النَّاسِ تَرْكُهُ . وَظَاهِرُ كَلَامِ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه تَرْكُ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ مُطْلَقًا . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حُسَيْنٍ فِي التَّمَامِ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِي وُجُوبِ هَجْرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَفُسَّاقِ الْمِلَّةِ . وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُجَاهِرِ وَغَيْرِهِ كَالْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ فَيَنْبَغِي لَك إنْ كُنْت مُتَّبِعًا سُنَنَ مَنْ سَلَفَ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَاهَرَ بِمَعَاصِي اللَّهِ لَا تُعَاضِدْهُ وَلَا تُسَاعِدْهُ وَلَا تُقَاعِدْهُ وَلَا تُسَلِّمْ عَلَيْهِ بَلْ اُهْجُرْهُ (وَلَاقِهِ) فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ الْمُلَاقَاةِ (بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ) عَلَى وَزْنِ مُسْتَمِرٍّ هُوَ الْغَلِيظُ , يُقَالُ اكْفَهَرَّ وَجْهُهُ عَبَسَ وَقَطَبَ . وَفِي الْحَدِيثِ " اُلْقُوَا الْمُخَالِفِينَ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ " قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ عَابِسٍ قَطُوبٍ . وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه " إذَا لَقِيَتْ الْكَافِرَ فَأَلْقَهُ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ " وَقَوْلُهُ (مُرْبَدِ) صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ . وَالْمُرْبَدُّ الْمُلَوَّنُ وَزْنًا وَمَعْنًى . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَرَبَّدَ تَغَيَّرَ , وَتَرَبَّدَتْ السَّمَاءُ تَغَيَّمَتْ وَتَعَبَّسَتْ انْتَهَى . وَقَالَ غَيْرُهُ: تَرَبَّدَ لَوْنُهُ وَأَرْبَدَ أَيْ تَلَوَّنَ وَصَارَ كَلَوْنِ الرَّمَادِ . وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي الْجَمْهَرَةِ: وَالرُّبْدَةُ لَوْنٌ أَكْدَرُ مِنْ الْوَرْقَاءِ , يَعْنِي الْحَمَامَةَ الرَّبْدَاءَ . يُقَالُ نَعَامَةٌ رَبْدَاءُ وَظَلِيمٌ أَرْبَدَ . قَالَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُ الرَّجُلِ إذَا احْمَارَّ حُمْرَةً فِيهَا سَوَادٌ عِنْدَ الْغَضَبِ . وَرَبَدَ السَّيْفُ فربده , يُقَالُ سَيْفٌ ذُو رُبْدٍ أَيْ فِيهِ شِبْهُ غُبَارٍ أَوْ مدب نَمْلٍ . انْتَهَى . وَفِي قَصِيدَةِ بِشْرِ بْنِ أَبِي عَوَانَةَ الْعَبْدِيِّ الْجَاهِلِيِّ الَّتِي كَتَبَهَا إلَى أُخْتِهِ فَاطِمَةَ , كَانَ قَدْ خَرَجَ فِي ابْتِغَاءِ مَهْرِ ابْنَةِ عَمِّهِ فَعَرَضَ لَهُ أَسَدٌ فَقَتَلَ الْأَسَدَ , كَمَا ذَكَرَهُ فِي قُرَاضَةِ الذَّهَبِ وَقَالَ فِي ذَلِكَ: أَفَاطِمُ لَوْ شَهِدْت بِبَطْنٍ خَبْتٍ وَقَدْ لَاقَى الْهِزَبْرُ أَخَاك بِشْرَا إذًا لَرَأَيْت لَيْثًا رَامَ لَيْثًا هِزَبْرًا أَغْلَبًا لَاقَى هِزَبْرَا تَبَهْنَسَ إذْ تَقَاعَسَ عَنْهُ مُهْرِي مُحَاذَرَةً فَقُلْت عُقِرْت مُهْرَا أَنِلْ قَدَمَيَّ ظَهْرَ الْأَرْضِ إنِّي رَأَيْت الْأَرْضَ أَثْبَتَ مِنْك ظَهْرَا فَحِينَ نَزَلْت مَدَّ إلَيَّ طَرْفًا تَخَالُ الْمَوْتَ يَلْمَعُ مِنْهُ شَزْرَا فَقُلْت لَهُ وَقَدْ أَبْدَى نِصَالًا مُحَدِّدَةً وَوَجْهًا مُكْفَهِرَّا تَدَلَّ بِمِخْلَبٍ وَبِحَدِّ نَابٍ وَبِاللَّحَظَاتِ تَحْسَبِهِنَّ جَمْرَا وَفِي يُمْنَايَ مَاضِي الْحَدِّ أَبْقَى بِمِضْرَبِهِ قِرَاعَ الدَّهْرِ أَسْرَا إلَى آخِرِهَا . وَهِيَ قَصِيدَةٌ عَظِيمَةٌ . وَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ وَوَجْهًا مُكْفَهِرَّا يَعْنِي عَابِسًا قَطُوبًا . قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم آثَرُوا فِرَاقَ أَنْفُسِهِمْ لِأَجْلِ مُخَالَفَتِهَا لِلْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . فَهَذَا يَقُولُ زَنَيْت فَطَهِّرْنِي , وَنَحْنُ لَا نَسْخُو أَنْ نُقَاطِعَ أَحَدًا فِيهِ لِمَكَانِ الْمُخَالَفَةِ . وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ وَهِجْرَانُ مَنْ أَبْدَى الْمَعَاصِيَ , وَمِنْ قَوْلِهِ مَا دَامَ مُعْلِنًا أَنَّ مُرْتَكِبَ الْمَعَاصِي الْمُسْتَتِرَ لَا يُهْجَرُ وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: إذَا عُلِمَ مِنْ الرَّجُلِ الْفُجُورُ أَيُخْبَرُ بِهِ النَّاسُ؟ قَالَ بَلْ يُسْتَرُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَاعِيَةً . قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ فِي مَعْنَى الدَّاعِيَةِ مَنْ اُشْتُهِرَ وَعُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَسَرَّ الْمَعْصِيَةَ . وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْقَاضِي فِيمَنْ أَتَى مَا يُوجِبُ حَدًّا إنْ شَاعَ عَنْهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَذْهَبَ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ لِيَأْخُذَهُ بِهِ وَإِلَّا سَتَرَ نَفْسَهُ . قَالَ الْقَاضِي: فَإِنْ كَانَ يَسْتَتِرُ بِالْمَعَاصِي فَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّهُ لَا يُهْجَرُ . قَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَيْسَ لِمَنْ يَسْكَرُ وَيُقَارِفُ شَيْئًا مِنْ الْفَوَاحِشِ حُرْمَةٌ وَلَا وَصْلَةٌ إذَا كَانَ مُعْلِنًا بِذَلِكَ مُكَاشِفًا . وَقَالَ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الْمُجَانَبَةِ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يُهْجَرُ أَهْلُ الْمَعَاصِي وَمَنْ قَارَفَ الْأَعْمَالَ الرَّدِيَّةَ أَوْ تَعَدَّى حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَعْنَى الْإِقَامَةِ عَلَيْهِ أَوْ الْإِضْرَارِ . وَأَمَّا مَنْ سَكِرَ أَوْ شَرِبَ أَوْ فَعَلَ فِعْلًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَحْظُورَةِ ثُمَّ لَمْ يُكَاشِفْ بِهَا وَلَمْ يَلْقَ فِيهَا جِلْبَابُ الْحَيَاءِ فَالْكَفُّ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْإِمْسَاكُ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ أَسْلَمُ . وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: إنَّ الْمُسْتَتِرَ بِالْمُنْكَرِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُسْتَرُ عَلَيْهِ , فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ فُعِلَ مَا يَنْكَفُّ بِهِ إذَا كَانَ أَنْفَعَ بِهِ فِي الدِّينِ . وَإِنَّ الْمُظْهِرَ لِلْمُنْكَرِ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ عَلَانِيَةً , وَلَا تَبْقَى لَهُ غِيبَةٌ , وَيَجِبُ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَانِيَةً بِمَا يَرْدَعُهُ عَنْ ذَلِكَ . وَيَنْبَغِي لِأَهْلِ الْخَيْرِ أَنْ يَهْجُرُوهُ مَيِّتًا إذَا كَانَ فِيهِ كَفٌّ لِأَمْثَالِهِ فَيَتْرُكُونَ تَشْيِيعَ جِنَازَتِهِ . انْتَهَى . وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ وُجُوبُ الْإِغْضَاءِ عَنْهُ , فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ وُجُوبُ الْإِنْكَارِ سِرًّا جَمْعًا بَيْنَ الْمَصَالِحِ . وَلِذَا يَقُولُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ: تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ قَالَ فِي الْآدَابِ: وَكَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ السَّتْرِ عَلَى هَذَا يَعْنِي الَّذِي لَمْ يُعْلِنْ بِالْمَعْصِيَةِ . وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْحَلَالُ يُسْتَحَبُّ . قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَمْ أَجِدْ بَيْنَ الْأَصْحَابِ خِلَافًا فِي أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا لَهُ أَنْ يُقِيمَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُقِيمَهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ سَتْرَهُ لَا يَجِبُ , وَأَنَّهُ يُنْكَرُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِهِ . وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَشْهُورًا بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ أَمْ لَا . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً " قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قَالَ أَمَّا السَّتْرُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ هُنَا فَالْمُرَادُ بِهِ السَّتْرُ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ مَعْرُوفًا بِالْأَذَى وَالْفَسَادِ , وَأَمَّا الْمَعْرُوفُ بِذَلِكَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُسْتَرَ عَلَيْهِ بَلْ يَرْفَعُ قِصَّتَهُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَةً , لِأَنَّ السَّتْرَ عَلَى هَذَا يُطْمِعُهُ فِي الْإِيذَاءِ وَالْفَسَادِ وَانْتِهَاكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَجَسَارَةِ غَيْرِهِ عَلَى مِثْلِ فِعْلِهِ . وَهَذَا كُلُّهُ فِي سِتْرِ مَعْصِيَةٍ مَضَتْ وَانْقَضَتْ , أَمَّا مَعْصِيَةٌ رَآهُ عَلَيْهَا وَهُوَ بَعْدُ مُتَلَبِّسٌ فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِإِنْكَارِهَا عَلَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْهَا عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا , فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ رَفْعُهَا إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ . انْتَهَى . وَلَمَّا كَانَ السَّتْرُ مَطْلُوبًا وَفَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِحْسَانِ مَحْسُوبًا , كَانَ عَدَمُ التَّجَسُّسِ عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى أَحْرَى . كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ وَأَدْرَى . وَلِذَا قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله تعالى: .
وَيَحْرُمُ تَجْسِيسٌ عَلَى مُتَسَتِّرٍ بِفِسْقٍ وَمَاضِي الْفِسْقِ إنْ لَمْ يُجْدَدْ (وَيَحْرُمُ) عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ (تجسيس) بِالْجِيمِ هُوَ الْبَحْثُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ . وَأَمَّا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ الْبَحْثُ عَنْ طَلَبِ الْخَبَرِ . قَالَ تَعَالَى (وَلَا تَجَسَّسُوا) بِحَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ لَا تَتَّبَعُوا عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعَايِبَهُمْ بِالْبَحْثِ عَنْهَا . وَقَالَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ فَتَتَبُّعُ أَخْبَارِ النَّاسِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْبَحْثِ مِنْ عُيُوبِهِمْ أَوْ لِيَطَّلِعَ عَلَى أَخْبَارِهِمْ . أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِئَلَّا يَظْهَرَ عَلَى عَوْرَاتِ النَّاسِ . وَتَأَمُّلُ الْعَيْبِ مَعِيبٌ وَكَذَا تَتَبُّعُهُ وَالْبَحْثُ عَنْهُ . وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِئَلَّا يَقَعَ فِي حَدٍّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " فَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا " وَقِيلَ بِالْمُهْمَلَةِ لِاسْتِمَاعِ حَدِيثِ الْقَوْمِ وَأَصْلُهُ مِنْ الْحِسِّ لِأَنَّهُ يَتَتَبَّعُهُ بِحِسِّهِ , وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ . وَقَرَأَ الْحَسَنُ (وَلَا تَحَسَّسُوا) بِالْحَاءِ , قَالَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ . وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ ذَلِكَ الْبَحْثُ عَنْ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْأُمَنَاءِ عَلَى الْأَوْقَافِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْأَيْتَامِ وَنَحْوِهِمْ فَيَجِبُ جَرْحُهُمْ وَلَا يَحِلُّ السَّتْرُ عَلَيْهِمْ إذَا رَأَى مِنْهُمْ مَا يَقْدَحُ فِي أَهْلِيَّتِهِمْ , فَإِنَّ هَذَا مِنْ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ وَتَقَدَّمَ . (عَلَى مُتَسَتِّرٍ) مُتَعَلِّقٌ بتجسيس بِخِلَافِ الْمُعْلِنِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلَا غِيبَتُهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ عَنْ وَجْهِهِ (بِ) عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ يُؤَدِّي إلَى (فِسْقٍ) مِنْ شُرْبِ خَمْرٍ وَزِنًا وَلِوَاطٍ وَنَحْوِهَا . ذَكَرَ الْمَهْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَجَسَّسَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ فَإِنْ اطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى رِيبَةٍ وَجَبَ أَنْ يَسْتُرَهَا وَيَعِظَهُ مَعَ ذَلِكَ وَيُخَوِّفَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إلَّا الْمُجَاهِرِينَ , وَإِنَّ مِنْ الْإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ " وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " مُعَافَاةٌ " يَعُودُ إلَى الْأُمَّةِ . وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ . وَإِنَّ الْمُجَاهَرَةَ " وَفِي بَعْضِهَا " وَإِنَّ مِنْ الْجِهَارِ " يُقَالُ جَهَرَ بِأَمْرِ كَذَا وَأَجْهَرَ وَجَاهَرَ . (وَ) يَحْرُمُ تجسيس عَلَى (مَاضِي الْفِسْقِ) أَيْ مَا يُفَسَّقُ بِهِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَوْ الْفِسْقِ الْمَاضِي مِثْلُ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي مَضَى وَتَبْحَثُ عَنْهُ أَنْتَ بَعْدَ مُدَّةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إشَاعَةٌ لِلْمُنْكَرِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا عَوْدَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا هُوَ عَيْبٌ وَنَقْصٌ فَيَنْبَغِي كَفُّهُ وَنِسْيَانُهُ دُونَ إذَاعَتِهِ وَإِعْلَانِهِ , وَإِنَّمَا يَحْرُمُ التَّجَسُّسُ عَنْ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يُجْدَدْ) الْعَدَدُ عَلَيْهِ وَالْإِتْيَانُ بِهِ ثَانِيًا . فَإِنْ عَاوَدَهُ فَلَا حُرْمَةَ إذَنْ . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِمُنْكَرٍ فُعِلَ خُفْيَةً عَلَى الْأَشْهَرِ أَوْ مَاضٍ أَوْ بَعِيدٍ وَقِيلَ يُجْهَلُ فَاعِلُهُ وَمَحَلُّهُ . وَقَالَ أَيْضًا: لَا إنْكَارَ فِيمَا مَضَى وَفَاتَ إلَّا فِي الْعَقَائِدِ أَوْ الْآرَاءِ . انْتَهَى . وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ النَّاظِمِ , لِأَنَّ الْعَقَائِدَ مِمَّا يُجَدَّدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مَرْفُوعًا " مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ " . قَالَ الْحَجَّاوِيُّ رحمه الله تعالى: وَالْمُسْتَتِرُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ غَالِبًا غَيْرُ مَنْ حَضَرَهُ , وَيَكْتُمُهُ وَلَا يُحَدِّثُ بِهِ . وَأَمَّا مَنْ فَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ يَعْلَمُ بِهِ جِيرَانُهُ وَلَوْ فِي دَارِهِ فَإِنَّ هَذَا مُعْلِنٌ مُجَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَتِرٍ , قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَنْ تَسَتَّرَ بِالْمَعْصِيَةِ فِي دَارِهِ وَأَغْلَقَ بَابَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتَجَسَّسَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ مَا يَعْرِفُهُ كَأَصْوَاتِ الْمَزَامِيرِ وَالْعِيدَانِ , فَلِمَنْ سَمِعَ ذَلِكَ أَنْ يَدْخُلَ وَيَكْسِرَ الْمَلَاهِيَ , وَإِنْ فَاحَتْ رَائِحَةُ الْخَمْرِ فَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الْإِنْكَارِ . انْتَهَى . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَرْبَيْنِ , أَحَدُهُمَا مَنْ كَانَ مَسْتُورًا لَا يُعْرَفُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي , فَإِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ هَفْوَةٌ أَوْ زَلَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَشْفُهَا وَهَتْكُهَا وَلَا التَّحَدُّثُ بِهَا , لِأَنَّ ذَلِكَ غِيبَةٌ , وَفِي ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْضُ الْوُزَرَاءِ الصَّالِحِينَ لِبَعْضِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ: اجْتَهِدْ أَنْ تَسْتُرَ الْعُصَاةَ فَإِنَّ ظُهُورَ مَعَاصِيهِمْ عَيْبٌ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ , وَأَوْلَى الْأُمُورِ سَتْرُ الْعُيُوبِ . وَفِي مِثْلِهِ جَاءَ الْحَدِيثُ " أَقِيلُوا ذَوِي الْعَثَرَاتِ عَثَرَاتِهِمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها . وَالثَّانِي مَنْ كَانَ مُشْتَهِرًا بِالْمَعَاصِي مُعْلِنًا بِهَا وَلَا يُبَالِي بِمَا ارْتَكَبَ مِنْهَا وَلَا بِمَا قِيلَ لَهُ , فَهَذَا هُوَ الْفَاجِرُ الْمُعْلِنُ وَلَيْسَ لَهُ غِيبَةٌ , وَمِثْلُ هَذَا فَلَا بَأْسَ بِالْبَحْثِ عَنْ أَمْرِهِ لِتُقَامَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا . انْتَهَى . وَأَمَّا تَسَوُّرُ الْجُدْرَانِ عَلَى مَنْ عَلِمَ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى مُنْكَرٍ فَقَدْ أَنْكَرَهُ الْأَئِمَّةُ مِثْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّجَسُّسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ , وَقَدْ قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: إنَّ فُلَانًا تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا , فَقَالَ نَهَانَا اللَّهُ عَنْ التَّجَسُّسِ . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إنْ كَانَ فِي الْمُنْكَرِ الَّذِي غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الِاسْتِمْرَارُ بِهِ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ عَنْهُ انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا كَالزِّنَا وَالْقَتْلِ جَازَ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْكَشْفِ وَالْبَحْثِ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لَا يُسْتَدْرَكُ مِنْ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ , وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فِي الرُّتْبَةِ لَمْ يَجُزْ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلَا الْكَشْفُ عَنْهُ . وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَ السَّمْعَ عَلَى دَارِ غَيْرِهِ يَسْتَمِعُ صَوْتَ الْأَوْتَارِ , وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلشَّمِّ لِيُدْرِكَ رَائِحَةَ الْخَمْرِ , وَلَا أَنْ يَمَسَّ مَا قَدْ سُتِرَ بِثَوْبٍ لِيَعْرِفَ شَكْلَ الْمِزْمَارِ , وَلَا أَنْ يَسْتَخْبِرَ جِيرَانَهُ لِيُخْبِرَ بِمَا جَرَى , بَلْ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ ابْتِدَاءً أَنَّ فُلَانًا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَلَهُ إذْ ذَاكَ أَنْ يَدْخُلَ وَيُنْكِرَ . وَمَرَّ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَتَى سَمِعَ أَنْكَرَ , وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَسْمَعُ الْمُنْكَرَ فِي دَارِ بَعْضِ جِيرَانِهِ قَالَ يَأْمُرُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ يَجْمَعُ عَلَيْهِ الْجِيرَانَ وَيُهَوِّلُ عَلَيْهِ . وَفِيمَنْ سَمِعَ صَوْتَ الْمُغَنِّي فِي الطَّرِيقِ قَالَ: هَذَا قَدْ ظَهَرَ , عَلَيْهِ أَنْ يَنْهَاهُمْ . قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي الْكَفِّ عَنْ الْبَحْثِ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ: أَدْرَكْنَا قَوْمًا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُيُوبٌ , فَذَكَرُوا عُيُوبَ النَّاسِ فَذَكَرَ النَّاسُ لَهُمْ عُيُوبًا ; وَأَدْرَكْنَا أَقْوَامًا كَانَتْ لَهُمْ عُيُوبٌ فَكَفُّوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ فَنُسِيَتْ عُيُوبُهُمْ . وَشَاهِدُ هَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا . يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ لَا تَغْتَابُوا النَّاسَ , وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ , فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِهِمْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ " . وَتَقَدَّمَ . وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ: لَا تَلْتَمِسْ مِنْ مُسَاوِي النَّاسِ مَا سَتَرُوا فَيَكْشِفْ اللَّهُ سِتْرًا مِنْ مَسَاوِيكَا وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إذَا ذُكِرُوا وَلَا تَعِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَا فِيكَا وَاسْتَغْنِ بِاَللَّهِ عَنْ كُلِّ فَإِنَّ بِهِ غِنًى لِكُلٍّ , وَثِقْ بِاَللَّهِ يَكْفِيكَا (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) قَدْ هَجَرَ السَّلَفُ رضوان الله عليهم جَمَاعَةً بِأَدْوَنَ مِمَّا ذَكَرْنَا , فَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَضْحَكُ مَعَ جِنَازَةٍ فَقَالَ تَضْحَكُ مَعَ الْجِنَازَةِ لَا أُكَلِّمُك أَبَدًا . وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ كَانَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه امْرَأَةٌ فِي خُلُقِهَا سُوءٌ , فَكَانَ يَهْجُرُهَا السَّنَةَ وَالْأَشْهُرَ , فَتَتَعَلَّقُ بِثَوْبِهِ فَتَقُولُ أَنْشُدُك بِاَللَّهِ يَا ابْنَ مَالِكٍ , أَنْشُدُك بِاَللَّهِ يَا ابْنَ مَالِكٍ , فَمَا يُكَلِّمُهَا . وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ جَعَلَ فِي عَضُدِهِ خَيْطًا مِنْ الْحُمَّى: لَوْ مُتَّ وَهَذَا عَلَيْك لَمْ أُصَلِّ عَلَيْك . وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إنَّ ابْنَك أَكَلَ طَعَامًا حَتَّى كَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ , قَالَ: لَوْ مَاتَ مَا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ فِي مَقَامَاتِهِ الْمُسَمَّاةِ (الزَّجْرُ بِالْهَجْرِ) قَالَ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ عَمْرٍو , كَانَ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَصْرِمْ الْأَحْمَقَ فَلَيْسَ لِلْأَحْمَقِ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنْ الْهِجْرَانِ . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى بَشِيرِ بْنِ عَمْرٍو . وَرَوَى مَرْفُوعًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَفْظُهُ " أَصْرِمْ الْأَحْمَقَ " قَالَ الْحَاكِمُ: بَشِيرُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ فِيهِ وَمَسَانِيدُهُ عَزِيزَةٌ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ " أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ خَذَفَ فَنَهَاهُ وَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْخَذْفِ وَقَالَ إنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا وَلَا تَنْكِي عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ . قَالَ فَعَادَ فَقَالَ أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ ثُمَّ عُدْت تَحْذِفُ لَا أكلمك أَبَدًا . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُسُوقِ وَمُنَابِذِي السُّنَّةِ , وَأَنَّهُ يَجُوزُ هِجْرَانُهُ دَائِمًا . وَالنَّهْيُ عَنْ الْهِجْرَانِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ هَجَرَ لِحَظِّ نَفْسِهِ وَمَعَايِشِ الدُّنْيَا , وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْهَجْرُ الْجَمِيلُ فِي قَوْلِهِ وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ هُوَ الَّذِي لَا شَكْوَى مَعَهُ . وَالصَّفْحُ الْجَمِيلُ هُوَ الَّذِي لَا عِتَابَ مَعَهُ . وَكَانَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رضي الله عنه يَقُولُ: مُصَارَمَةٌ جَمِيلَةٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ مَوَدَّةٍ عَلَى دَخَلٍ . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُبَّ هَجْرٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ مِنْ مُخَالَطَةٍ مُؤْذِيَةٍ . قَالَ الشَّاعِرُ: إذَا مَا تَقَضَّى الْوُدُّ إلَّا مُكَاثِرًا فَهَجْرٌ جَمِيلٌ عِنْدَ ذَلِكَ صَالِحُ .
|