الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الخازن: .قال أبو السعود: .قال الألوسي: {قَالَ} عليه السلام مستعطفًا لهم أو مستميلًا لقلوبهم: {قَالَ يا قوم لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ} أي شيء منها فضلًا عن تمكني فيها كما زعمتم {وَلَكِنّي رَسُولٌ مِن رَّبّ العالمين} والرسالة من قبله تعالى تقتضي الاتصاف بغاية الرشد والصدق، ولم يصرح عليه السلام بنفي الكذب اكتفاءً بما في حيز الاستدراك. وقيل: الكذب نوع من السفاهة فيلزم من نفيها نفيه، و{مِنْ} لابتداء الغاية مجازًا وهي متعلقة بمحذوف وقع صفة لرسول مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية. اهـ. .قال ابن عاشور: .قال الشعراوي: وفي هذا القول نفي للاتهام بالسفاهة، وإبلاغ لهم بأنه مبلّغ عن الله بمنهج تؤديه الآية التالية وهي قوله الحق: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ...}. اهـ. .تفسير الآية رقم (68): .من أقوال المفسرين: .قال البقاعي: ولما كانوا قد رموه بالسفه الذي هو من غرائز النفس لأنه ضد الحلم والرزانة، عبر عن مضمون الجملة النافية له بما يقتضي الثبات فقال: {وأنا لكم ناصح} أي لم يزل النصح من صفتي، وليس هو تكسبته بل غريزة فيّ، وقد بلوتموني فيه قبل الرسالة وإظهار هذه المقالة دهرًا دهيرًا وزمانًا طويلًا؛ ولما قالوا إنهم يظنون كذبه، زادهم صفة الأمانة فقال: {أمين}. اهـ. .قال الفخر: قال: {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وهود عليه السلام لم يقل ذلك، ولكنه زاد فيه كونه أمينًا، والفرق بين الصورتين أن الشيخ عبد القاهر النحوي ذكر في كتاب دلائل الإعجاز أن صيغة الفعل تدل على التجدد ساعة فساعة، وأما صيغة اسم الفاعل فإنها دالة على الثبات والاستمرار على ذلك الفعل. وإذا ثبت هذا فنقول: إن القوم كانوا يبالغون في السفاهة على نوح عليه السلام، ثم إنه في اليوم الثاني كان يعود إليهم ويدعوهم إلى الله، وقد ذكر الله تعالى عنه ذلك فقال: {رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح: 5] فلما كان من عادة نوح عليه السلام العود إلى تجديد تلك الدعوة في كل يوم وفي كل ساعة لا جرم ذكره بصيغة الفعل، فقال: {وَأَنصَحُ لَكُمْ} وأما هود عليه السلام فقوله: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ} يدل على كونه مثبتًا في تلك النصيحة مستقرًا فيها. أما ليس فيها إعلام بأنه سيعود إلى ذكرها حالًا فحالًا ويومًا فيومًا، وأما الفرق الآخر في هذه الآية وهو أن نوحًا عليه السلام قال: {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وهودًا وصف نفسه بكونه أمينًا. فالفرق أن نوحًا عليه السلام كان أعلى شأنًا وأعظم منصبًا في النبوة من هود، فلم يبعد أن يقال: إن نوحًا كان يعلم من أسرار حكم الله وحكمته ما لم يصل إليه هود، فلهذا السبب أمسك هود لسانه عن ذكر تلك الكلمة، واقتصر على أن وصف نفسه بكونه أمينًا: ومقصود منه أمور: أحدها: الرد عليهم في قولهم: {وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} وثانيها: أن مدار أمر الرسالة والتبليغ عن الله على الأمانة فوصف نفسه بكونه أمينًا تقريرًا للرسالة والنبوة. وثالثها: كأنه قال لهم: كنت قبل هذه الدعوى أمينًا فيكم، ما وجدتم مني غدرًا ولا مكرًا ولا كذبًا، واعترفتم لي بكوني أمينًا فكيف نسبتموني الآن إلى الكذب؟ واعلم أن الأمين هو الثقة، وهو فعيل من أمن يأمن أمنا فهو آمن وأمين بمعنى واحد. اهـ. .قال السمرقندي: .قال ابن عطية: .قال الخازن: حكى الله عن نوح عليه الصلاة والسلام، أنه قال وأنصح لكم وحكى عن هود عليه الصلاة والسلام أنه قال: وأنا لكم ناصح فالأول بصيغة الفعل والثاني بصيغة اسم الفاعل والفرق بينهما أن صيغة الفعل تدل على تجدد النصح ساعة بعد ساعة فكان نوح يدعو قومه ليلًا ونهارًا كما أخبر الله عنه بقوله قال رب إني دعوت قومي ليلًا ونهارًا فلما كان ذلك من عادته ذكره بصيغة الفعل فقال: وأنصح لكم وأما هود فلم يكن كذلك بل كان يدعوهم وقتًا دون وقت فلهذا قال: وأنا لكم ناصح أمين والمدح للنفس بأعظم صفات المدح غير لائق بالعقلاء وإنما فعل هود ذلك وقال هذا القول لأنه كان يجب عليه إعلام قومه بذلك ومقصوده الرد عليهم في قولهم وأنا لنظنك من الكاذبين فوصف نفسه بالأمانة وأنه أمين في تبليغ ما أرسل به من عند الله ففيه تقرير للرسالة والنبوة وفيه دليل على جواز مدح الإنسان نفسه في موضع الضرورة إلى مدحها. اهـ. .قال أبو حيان: .قال أبو السعود: استئنافٌ سيق لتقرير رسالتِه وتفصيلِ أحوالِها، وقيل: صقةٌ أخرى لرسولٌ والكلامُ في إضافة الربِّ إلى نفسه عليه السلام بعد إضافته إلى العالمين وكذا في جمع الرسالاتِ كالذي مر في قصة نوحٍ عليه السلام، وقرئ {أُبْلِغُكم} من الإبلاغ {وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} معروفٌ بالنصح والأمانةِ مشهورٌ بين الناس بذلك، وإنما جيء بالجملة الاسميةِ دِلالةً على الثبات والاستمرار وإيذانًا بأن من هذا حالُه لا يحوم حولَه شائبةُ السفاهةِ والكذب. اهـ. .قال الألوسي: على طرز ما في قصة نوح عليه السلام. وقرأ أبو عمرو {أُبَلّغُكُمْ} بالتخفيف من الإفعال {وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} معروف بالنصح والأمانة مشهور بين الناس بذلك فما حقي أن أتهم بشيء مما ذكرتموه؛ وعلى هذا لا يقدر للوصفين متعلق، ويحتمل تقديرهما أي ناصح لكم فيما أدعوكم إليه أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه، وعلى الأول كما قال الطيبي فالجملة مستأنفة وقعت معترضة، وعلى الثاني حالية، وفي العدول عن الفعلية إلى الاسمية ما لا يخفى. ولعل التعبير بها هنا وبالفعلية فيما تقدم لتجدد النصح من نوح دون هود عليهما السلام. اهـ. .قال ابن عاشور: وأُتبع {ناصح} بـ {آمين} وهو الموصوف بالأمانة لردّ قولهم له: {لنظنّك من الكاذبين} [الأعراف: 66] لأنّ الأمين هو الموصوف بالأمانة، والأمانة حالة في الإنسان تبعثه على حفظ ما يجب عليه من حقّ لغيره، وتمنعه من إضاعته، أو جعله لنفع نفسه، وضدّها الخيانة. والأمانةُ من أعزّ أوصاف البشر، وهي من أخلاق المسلمين، وفي الحديث: «لاَ إيمَانَ لِمَنْ لاَ أمان له» وفي الحديث: «إنّ الأمانة نزلت في جذر قلوب الرّجال ثم عَلِمُوا من القرآن ثمّ عَلِمُوا من السُّنَّة ثمّ قال يَنام الرجل النّومة فتقبض الأمانة من قلبه إلى أن قال فيقال: إنّ في بني فلان رَجُلًا أمينًا ويقال للرّجل ما أعْقَله وما أظرفه وما أجْلَده وما في قلبه مثقالُ حبّة من خَرْدَلٍ من إيمان» فذَكَر الإيمان في موضع الأمانة. والكذبُ من الخيانة، والصّدق من الأمانة، لأنّ الكذب الخبر بأمر غير واقع في صورة توهم السّامع واقع، فذلك خيانة للسّامع، والصّدق إبلاغ الأمر الواقع كما هو فهو أداء لأمانةِ ما علِمَه المخبرُ، فقوله في الآية: {أمين} وصف يجمع الصّفات التي تجعله بمحلّ الثّقة من قومه، ومن ذلك إبطال كونه من الكاذبين. وتقديم {لكم} على عامله للإيذان باهتمامه بما ينفعهم. اهـ.
|