الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.تفسير الآية رقم (278): .مناسبة الآية لما قبلها: .قال البقاعي: ولما كان الربا قد يكون مؤجلًا فيكون صاحبه قد مضت عليه مدد وهو موطن نفسه على أخذه فيصير الكف عنه يعدل الموت عنده أبلغ سبحانه وتعالى في التشديد في هذه المواعظ فقال: {اتقوا الله} أي الذي له جميع العظمة تصديقا لإقراركم {وذروا} أي اتركوا أي ترك كان {ما بقي من الربا} أي الذي كنتم تتعاملون به فلا تستحلوه ولا تأكلوه. ولما لوح في أول الآية إلى أن من أصر فهو غير صادق في دعوى الإيمان صرح بذلك في آخرها فقال: {إن كنتم مؤمنين} أي متصفين بما ذكرتموه بألسنتكم. قال الحرالي: فبين أن الربا والإيمان لا يجتمعان وأكثر بلايا هذه الأمة حتى أصابها ما أصاب بني إسرائيل من البأس الشنيع والانتقام بالسنين إنما هو من عمل من عمل بالربا، وهذه الآية أصل عظيم في أحكام الكفار إذا أسلموا فما مضى منها لم ينقص وما لم يمض لم يفعل- نبه عليه الأصبهاني. اهـ. .قال الفخر: .قال ابن عاشور: فإن كان قوله: {وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة: 275] من كلام الذين قالوا: {إنما البيع مثل الربا} [البقرة: 275] فظاهر، وإن كان من كلام الله تعالى فهو تشريع وقع في سياق الرد، فلم يكتف بتشريع غير مقصود ولذا احتيج إلى هذا التشريع الصريح المقصود، وما تقدم كلّه وصف لحال أهل الجاهلية وما بقي منه في صدر الإسلام قبل التحريم. وأمروا بتقوى الله قبل الأمر بترك الربا لأنّ تقْوَى الله هي أصل الامتثال والاجتناب؛ ولأن ترك الربا من جملتها. فهو كالأمرِ بطريق برهاني. ومعنى {وذروا ما بقي من الربوا} الآية اتركوا ما بقي في ذمم الذين عاملتموهم بالربا، فهذا مقابل قوله: {فله ما سلف}، فكان الذي سلفَ قبضُه قبل نزول الآية معفوا عنه وما لم يقبض مأمورًا بتركه. اهـ. .من أقوال المفسرين: .قال الفخر: .قال الماوردي: أحدهما: يأ أيها الذين أمنوا بألسنتهم اتقوا الله بقلوبكم. والثاني: يأيها الذين أمنوا بقلوبهم اتقوا الله في أفعالكم. اهـ. .قال أبو حيان: إن صح إيمانكم، يعني أن دليل صحة الإيمان وثباثه امتثال ما أمرتم به من ذلك، قاله الزمخشري، وفيه دسيسه اعتزال، لأنه إذا توقفت صحة الإيمان على ترك هذه المعصية فلا يجامعها الصحة مع فعلها، وإذا لم يصح إيمانه لم يكن مؤمنًا، مدعى المعتزلة. وقيل: إن بمعنى إذ أي إذ كنتم مؤمنين قاله مقاتل بن سليمان، وهو قول لبعض النحويين، أن: إن، تكون بمعنى: إذ، وهو ضعيف مردود ولا يثبت في اللغة، وقيل: هو شرط يراد به الاستدامة، وقيل: يراد به الكمال، وكأن الإيمان لا يتكامل إذا أصرّ الإنسان على كبيرة، وإنما يصير مؤمنًا بالإطلاق إذا اجتنب الكبائر، هذا وإن كانت الدلائل قد قامت على أن حقيقة الإيمان لا يدخل العمل في مسماها، وقيل: الإيمان متغاير بحسب متعلقه، فمعنى الأول: {يا أيها الذين آمنوا} بألسنتهم. ومعنى الثاني: {إن كنتم مؤمنين} بقلوبكم. وقيل: يحتمل أن يريد: يا أيها الذي آمنوا بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء، ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين بمحمد، إذ لا ينفع الأول إلاَّ بهذا، قاله ابن فورك. قال ابن عطية: وهو مردود بما روي في سبب الآية. انتهى. يعني أنها نزلت في عباس، وعثمان، أو في عباس، وخالد، أو فيمن أسلم من ثقيف ولم يكونوا هؤلاء قبل الإيمان آمنوا بأنبياء، وقيل: هو شرط محض في ثقيف على بابه، لأنه كان في أول دخولهم في الإسلام. انتهى. وعلى هذا ليس بشرط صحيح إلاَّ على تأويل استدامة الإيمان. اهـ. .قال الفخر: الرواية الأولى: أنها خطاب لأهل مكة كانوا يرابون فلما أسلموا عند فتح مكة أمرهم الله تعالى أن يأخذوا رؤوس أموالهم دون الزيادة. والرواية الثانية: قال مقاتل: إن الآية نزلت في أربعة إخوة من ثقيف: مسعود، وعبد يا ليل، وحبيب، وربيعة، بنو عمرو بن عمير الثقفي كانوا يداينون بني المغيرة، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف أسلم الإخوة، ثم طالبوا برباهم بني المغيرة، فأنزل الله تعالى هذه الآية. والرواية الثالثة: نزلت في العباس، وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وكانا أسلفا في التمر، فلما حضر الجداد قبضا بعضًا، وزاد في الباقي فنزلت الآية، وهذا قول عطاء وعكرمة. الرواية الرابعة: نزلت في العباس وخالد بن الوليد، وكانا يسلفان في الربا، وهو قول السدي. اهـ. .قال القرطبي: وقد قيل: إن الآية نزلت بسبب ثقِيف، وكانوا عاهدوا النبيّ صلى الله عليه وسلم على أن مالهم من الربا على الناس فهو لهم، وما للناس عليهم فهو موضوع عنهم، فلما أن جاءت آجال رباهم بعثوا إلى مكة للاقتضاء، وكانت الديون لبني عبدة وهم بنو عمرو بن عمير من ثقيف، وكانت على بني المغيرة المخزوميّين. فقال بنو المغيرة: لا نعطي شيئًا فإن الربا قد رُفِع. ورفعوا أمرهم إلى عَتَّاب بن أَسِيد، فكتب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت الآية فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتَّاب؛ فعلمت بها ثقيف فكفَّتْ. هذا سبب الآية على اختصار مجموع ما رَوى ابن إسحاق وابن جريج والسُّدِّي وغيرهم. والمعنى اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقايةً بترككم ما بقي لكم من الربا وصفحكم عنه. اهـ. .قال الماوردي: .قال الفخر: والجواب: لما دلّت الدلائل الكثيرة المذكورة في تفسير قوله: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} [البقرة: 3] على أن العمل خارج عن مسمى الإيمان كانت هذه الآية محمولة على كمال الإيمان وشرائعه، فكان التقدير: إن كنتم عاملين بمقتضى شرائع الإيمان، وهذا وإن كان تركًا للظاهر لكنا ذهبنا إليه لتلك الدلائل. اهـ. .سؤال: فإن قيل: كيف قال: {يا أيها الذين آمَنُوا اتقوا} ثم قال في آخره {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}؟ والثاني: قيل: معناه إن كنتم مؤمنين قبله. الثالث: إن كنتم تريدون استدامة الحكم لكم بالإيمان الرابع: يا أيها الذين آمنوا بلسانهم ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين بقلوبكم. اهـ. .تفسير الآية رقم (279):
|