الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن عطية: نقله من الطبري ع وليس هذا البيت كالآية لأن الخبر في البيت في قوله ترجى الخواتيم وإن الثانية وجملتها معترضة بين الكلامين، ثم تم الكلام كله في قوله تعالى: {القيامة} واستأنف الخبر عن {إن الله على كل شيء شهيد} عالم به وهذا خبر مستأنف للفصل بين الفرق وفصل الله تعالى بين هذه الفرق هو إدخال المؤمنين الجنة والكافرين النار. اهـ. .قال القرطبي: {والذين هَادُواْ} اليهود، وهم المنتسبون إلى ملة موسى عليه السلام. {والصابئين} هم قوم يعبدون النجوم. {والنصارى} هم المنتسبون إلى ملّة عيسى. {والمجوس} هم عَبَدة النيران القائلين أن للعالم أصلين: نور وظلمة. قال قتادة: الأديان خمسة، أربعة للشيطان وواحد للرحمن. وقيل: المجوس في الأصل النجوس لتديّنهم باستعمال النجاسات؛ والميم والنون يتعاقبان كالغيم والغين، والأيم والأين. وقد مضى في البقرة هذا كله مستوفًى. {والذين أشركوا} هم العرب عبدة الأوثان. {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} أي يقضي ويحكم؛ فللكافرين النار، وللمؤمنين الجنة. وقيل: هذا الفصل بأن يعرّفهم المحقَّ من المبطل بمعرفة ضرورية، واليوم يتميز المحق عن المبطل بالنظر والاستدلال. {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي من أعمال خلقه وحركاتهم وأقوالهم، فلا يَعْزُب عنه شيء منها، سبحانه!، وقوله: {إن الله يفصل بينهم} خبر أن في قوله: {إن الذين آمنوا}؛ كما تقول: إن زيدًا إنّ الخير عنده. وقال الفراء: ولا يجوز في الكلام إن زيدًا إن أخاه منطلق؛ وزعم أنه إنما جاز في الآية لأن في الكلام معنى المجازاة؛ أي من آمن ومن تهوّد أو تنصّر أو صبأ يفصِل بينهم، وحسابُهم على الله عز وجل. وردّ أبو إسحاق على الفراء هذا القول، واستقبح قوله: لا يجوز إن زيدًا إن أخاه منطلق؛ قال: لأنه لا فرق بين زيد وبين الذين، وأن تدخل على كل مبتدأ فتقول إن زيدًا هو منطلق، ثم تأتي بإن فتقول: إن زيدًا إنه منطلق. وقال الشاعر: . اهـ. .قال أبو حيان: لما ذكر قبل {أن الله يهدي من يريد} عقب ببيان من يهديه ومن لا يهديه، لأن ما قبله يقتضي أن من لا يريد هدايته لا يهديه يدل إثبات الهداية لمن يريد على نفيها عمن لا يريد، والذين أشركوا هم عبدة الأوثان والأصنام، ومن عبد غير الله. قال الزمخشري: ودخلت {إن} على كل واحد جزأي الجملة لزيادة التأكيد، ونحوه قول جرير: وظاهر هذا أنه شبه البيت بالآية، وكذلك قرنه الزجاج بالآية ولا يتعين أن يكون البيت كالآية لأن البيت يحتمل أن يكون خبر إن الخليفة قوله: به ترجى الخواتيم، ويكون إن الله سربله سربال ملك جملة اعتراضية بين اسم إن وخبرها بخلاف الآية فإنه يتعين قوله: {إن الله يفصل} وحسن دخول {إن} على الجملة الواقعة خبرًا طول الفصل بينهما بالمعاطيف، والظاهر أن الفصل بينهم يوم القيامة هو بصيرورة المؤمنين إلى الجنة والكافرين إلى النار، وناسب الختم بقوله: {شهيدًا} الفصل بين الفرق. وقال الزمخشري: الفصل مطلق يحتمل الفصل بينهم في الأحوال والأماكن جميعًا فلا يجازيهم جزاءً واحدًا بغير تفاوت، ولا يجمعهم في موطن واحد. وقيل {يفصل بينهم} يقضي بين المؤمنين والكافرين، والظاهر أن السجود هنا عبارة عن طواعية ما ذكر تعالى والانقياد لما يريده تعالى، وهذا معنى شمل من يعقل وما لا يعقل. اهـ. .قال أبو السعود: .قال الألوسي: ومدار مذاهبهم على التعصب للروحانيات وكانوا يعظمونها غاية التعظيم ويتقربون إليها ولما لم يتيسر لهم التقرب إلى أعيانها والتلقي منها بذواتها فزعت جماعة إلى هياكلها وهي السبع السيارات وبعض الثوابت، فصابئة الروم مفزعها السيارات وصابئة الهند مفزعها الثواب، وربما نزلوا عن الهياكل إلى الأشخاص التي لا تسمع ولا تبصر ولاتغني شيئًا، والفرقة الأولى هم عبدة الكوكب، والثانية هم عبدة الأصنام. وقد أفحم إبراهيم عليه السلام كلتا الفرقتين وألزمهم الحجة. وذكر في موضع آخر أن ظهورهم كان في أول سنة من ملك طهمورث من ملوك الفرس، ولفظ الصابئة عربي من صبا كمنع وكرم صبأ وصبوأ خرج من دين إلى آخر {والنصارى والمجوس} هم على ما روي عن قتادة أيضًا قوم يعبدون الشمس والقمر والنيران، واقتصر بعضهم على وصفهم بعبادة الشمس والقمر، وآخرون على وصفهم بعبادة النيران. وقيل: هم قوم اعتزلوا النصارى ولبسوا المسوح. وقيل: قوم أخذوا من دين النصارى شيئًا ومن دين اليهود شيئًا وهم قائلون بأن للعالم أصلين نورًا وظلمة. وفي كتاب الملل والنحل ما يدل على أنهم طوائف وأنهم كانوا قبل اليهود والنصارى وأنهم يقولون بالشرائع على خلاف الصابئة وأن لهم شبهة كتاب وأنهم يعظمون النار، وفيه أن بيوت النيران للمجوس كثيرة فأول بيت بناه افريدون بيت نار بطوس، وآخر بمدينة بخارى هو بردسون، واتخذ بهمن بيتًا بسجستان يدعى كركو، ولهم بيت نار ببخارى أيضًا يدعى قبادان. وبيت نار يسمى كونشه بين فارس وأصفهان بناه كيخسرد. وآخر بقومش يسمى جرير. وبيت نار كيكدر بناه في مشرق الصين، وآخر بارجان من فارس اتخذه أرجان جد كشتاسف، وكل هذه البيوت كانت قبل زرادشت. ثم جدد زرادشت بيت نار بنيسا بعد كشتاسف أن تطلب النار التي كان يعظمها جم فوجدوها بمدينة خوارزم فنقلها إلى دار ابجرد والمجوس يعظمونها أكثر من غيرها وكيخسرد، ولما غزا افراسياب عظمها وسجد لها. ويقال: إن أنوشروان هو الذي نقلها إلى كارشان فتركوا بعضها هناك وحملوا بعضها إلى نسا. وفي بلاد الروم على باب قسطنطينية بيت نار اتخذه شابوربن ازدشير فلم تزل كذلك إلى أيام المهدي وبيت نار باسفيثا على قرب مدينة السلام لبوران بنت كسرى وفي الهند والصين بيوت نيران أيضًا والمجوس إنما يعظمون النار لمعان: منها أنها جوهر شريف علوي يظنون أن ذلك ينجيهم من عذاب نار يوم القيامة ولم يدروا أن ذلك السبب الأعظم لعذابهما. وفيه ما لا يخفى على من راجع التواريخ. وفي القاموس مجوس كصبور رجل صغير الأذنين وضع دينًا ودعا إليه معرب ميخ كوش. وفي الصحاح المجوسية نحلة والمجوسي نسبة إليها والجمع المجوس. قال أبو على النحوي: المجوس واليهود إنما عرفا على حد يهودي ويهود ومجوسي ومجوس فجمع على قياس شعيرة وشعير ثم عرف الجمع بالألف واللام ولولا ذلك لم يجز دخول الألف واللام عليهما لأنها معرفتان مؤنثان فجريا في كلامهم مجرى القبيلتين ولم يجعلا كالحيين في باب الصرف. وأنشد: انتهى. وذكر بعضهم أن مجوس معرب موكوش وأطلق على أولئك القوم لأنهم كانوا يرسلون شعور رؤوسهم إلى آذانهم. ونقل في البحر أن الميم بدل من النون، وأطلق ذلك عليهم لاستعمالهم النجاسات وهو قول لا يعول عليه {والذين أَشْرَكُواْ} المشهور أنهم عبدة الأوثان، وقيل ما يعمهم وسائر من عبد مع الله تعالى إلهًا آخر من ملك وكوكب وغيرهما ممن لم يشتهر باسم خاص كالصابئة والمجوس، وقوله تعالى: {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} في حيز الرفع على أنه خبر لأن السابقة وأدخلت إن على كل واحد من جزئي الجملة لزيادة التأكيد كما في قول جرير: وقيل: خبر إن الأولى محذوف أي مفترقون يوم القيامة أو نحو ذلك مما يدل عليه قوله سبحانه: {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} الخ فإن قولك: إن زيدًا إن عمرًا يضربه ردىء، والبيت لا يتعين فيه جعل الجملة المقترنة بأن خبرًا بل يجوز أن تكون معترضة والخبر جملة به تزجى الخواتيم، ولا يخفى عليك بعد تسليم الرداءة أن الآية ليست كالمثال المذكور لطول الفاصل فيها، قال في البحر: وحسن دخول إن في الجملة الواقعة خبرًا في الآية طول الفصل بالمعاطيف، وقال الزجاج: زعم قوم أن قولك: إن زيدًا أنه قائم ردىء وأن هذه الآية إنما صلحت بتقدم الموصول ولا فرق بين الموصول وغيره في باب إن وليس بين البصريين خلاف في أن إن تدخل على كل مبتدأ وخبر فعلي هذا لا ينبغي العدول على الوجه المتبادر، والمراد بالفصل القضاء أي إنه تعالى يقضي بين المؤمنين والفرق الخمس المتفقة على الكفر بإظهار المحق من المبطل وتوفية كل منهما حقه من الجزاء بإثابة المؤمنين وعقاب الفرق الآخرين بحسب استحقاق أفراد كل منهما، وقيل: المراد أنه تعالى يفصل بين الفرق الست في الأحوال والأماكن جميعًا فلا يجازيهم جزاءً واحدًا بلا تفاوت بل يجزي المؤمنين بما يليق واليهود بما يليق بهم وهكذا ولا يجمعهم في موطن واحد بل يجعل المؤمنين في الجنة وكلًا من الفرق الكافرة في طبقة من طبقات النار، وقوله تعالى: {إِنَّ الله على كُلّ شيء شَهِيدٌ} تعليل لما قبله من الفصل أي أنه تعالى عالم بكل شيء من الأشياء ومراقب لأحواله ومن قضيته الإحاطة بتفاصيل ما صدر عن كل فرد من أفراد الفرق المذكورة وإجراء جزائه اللائق به عليه. اهـ. .قال ابن عاشور: فذلكة لما تقدم، لأنه لما اشتملت الآيات السابقة على بيان أحوال المترددين في قبول الإسلام كان ذلك مثارًا لأن يتساءل عن أحوال الفرق بعضهم مع بعض في مختلف الأديان، وأن يسأل عن الدين الحق لأن كل أمة تدَّعي أنها على الحق وغيرها على الباطل وتجادل في ذلك. فبينت هذه الآية أن الفصل بين أهل الأديان فيما اختصموا فيه يكون يوم القيامة، إذ لم تفدهم الحجج في الدنيا. وهذا الكلام بما فيه من إجمال هو جار مجرى التفويض، ومثله يكون كناية عن تصويب المتكلم طريقته وتخطئته طريقة خصمه، لأن مثل ذلك التفويض لله لا يكون إلا من الواثق بأنه على الحق وهو كقوله تعالى: {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير} [الشورى: 15] وذلك من قبيل الَكِناية التعريضية.
|